الصداقة بين الشاب والشابة ج1
من سلسلة: الأسرة المسيحية
هذا هو السؤال الصعب الذي يواجه الشباب فـي سن الارتباط. والارتباط هو بلا شك أصعب قرار في الحياة، إذ عليه تترتب سعادة الإنسان أو تعاسته مدى الحياة. والمؤمن الحقيقي له خطة مرتبة من الله تشمل كل تفاصيل الحياة (أف 10:2)، إلا أن هذا لا يعني أن الطريق سيكون سهلاً حالياً من الصعاب. فالله يستخدم الأمور المحيرة والصعبة لتدريبنا على الصلاة والتعلق به والثقة في قيادته وإرشاده.
إن قصد الله من إدخالنا في مواقف ينبغي أن نتخذ فيها قراراً خطيراً، ليس أن نخطئ القرار ونندم بعد ذلك ولا أن نشعر بالإحباط والفشل فنهرب من اتخاذ القرار، بل أن نواجه الصعوبة بشجاعة وتفكير عاقل وأن نعرف أبعادها تماماً ثم نأخذها برمتها إلى الرب ونطالبه أن يرشدنا للتصرف الصحيح بحسـب مشيئته. وليكن قولنا دائماً للرب:
«عرفت يا رب أنه ليس للإنسان طريقه. ليس لإنسان يمشي أن يهدي خطواته» إر 23:10)
وفي تناولنا لهذا الموضوع سنجيب عن ثلاثة أسئلة:
السؤال الاول : ماذا عن الصداقة بين الشاب والشابة قبل الارتباط؟
السؤال الثاني : ما هي المعايير الصحيحة لاختيار شريك الحياة؟
السؤال الثالث : كيف تكون الخطوات السليمة نحو الارتباط؟
الصداقة بين الشاب والشابة
تتباين الآراء حول هذا الموضوع بين الاعتراض والقبول، وربما يكون هذا بسبب التأثر بالأفكار والتقاليد الاجتماعية. وبلا شك أن الشخص الناضج روحياً وإنسانياً يستطيع أن يميز ما يليق وما لا يليق بالقديسين آخذاً في اعتباره نظرة المجتمع من حوله وهي تختلف من مكان لآخر. ولا يغيب عن ذهنه أنه يعيش ويسلك أمام الله باحثاً عن فكره ومشيئته في حياته. لكننا نريد تقييماًَ واقعياً للموضوع من كل جوانبه الروحية والنفسية والاجتماعية. وفي البداية دعنا نقدم تعريفاً محدداً للصداقة.
ما هي الصداقة بين الشاب والشابة؟
إنها نوع من الزمالة الراقية (ولا أكثر من ذلك). وهي غير قاصرة على شخص واحد، بل تتجه لأكثر من واحد. وهذا التعدد يميز علاقة الصداقة عن علاقة الميل العاطفي، مع ملاحظة أن الصداقة تعد خطوة نهائية في حالة صداقة شاب لآخر، لكنها خطوة قد تقود لخطوات أخرى أعمق إن كانت بين شاب وشابة. لذا على الشاب الذي يريد أن يحتفظ بالعلاقة على مستوى الصداقة أن يراعي ذلك في تعامله مع صديقته.
وهناك بعض المبادئ الهامة التي ينبغي مراعاتها في الصداقة بين الشاب والشابة:
الاحترام المتبادل: فلا يمكن أن يصادق الشاب شابة وهو يعتبرها أقل منه ولا يستطيع أن يتعامل معها صحيحاً إن كان يحتقر الجنس الآخر. فالمبدأ الأساسي في التعامل بين الجنسين هو أن الرجل ليس أقل من المرأة ولا المرأة أقل من الرجل (1كو 11:11). فالمرأة لا تقل عن الرجل عقلاً ولا ديناً، بل هي مساوية له تماماً. فقد خلقها الله لتكون معيناً للرجل، لحم من لحمه وعظم من عظامه.
إذا كان للشاب مجموعة من الأصدقاء فعليه أن يتعامل مع الجميع بأسلوب واحد خاصة مع الشابات، لأن التمييز بين فتاة وأخرى يوجد النميمة ويثير الأقاويل. فما دامت العلاقة على مستوى الصداقة فلابد من التعامل مع الكل على نفس المستوى.
ينبغي عدم المبالغة في لفت الأنظار. فالشابة التي تلبس ملابس ملفتة للأنظار، والشاب الذي يكثر من التهريج، ينزلان بمستوى الصداقة إلى مستوى أقل أو يدفعان الصداقة إلى مستويات أخرى لا تتناسب مع جمال الصداقة، وهذا لا يليق بقديسين.
من الأليق تجنب تقديم الهدايا في المناسبات. إذ أن الطرف الآخر قد يفسر الأمر تفسيراً مختلفاً عما في ذهن من قدمها. كما أنه من الأفضل عدم كتابة الخطابات كلية.
أفضل إطار للصداقة الراقية السليمة هو إطار الجماعة. فالحديث للجماعة كلها والوقوف بين الجماعة والنزهة مع الجماعة، كلها أمور لازمة لحفظ الصداقة في وضعها الصحيح. أما الانفراد مع شخص معين وتوجيه الحديث إليه وحده واختصاصه بالزيارة كلها أمور تحوِّل الصداقة عن هدفها.
لكن ماذا عن فوائد الصداقة بين الشاب والشابة؟
يظن البعض أنها للتسلية وملء الفراغ والبعض الآخر أنها الوسيلة للزواج، لكنها تختلف عن هذا إذ أنها علاقة راقية لها أهداف عديدة:
الصداقة تتيح للشباب إمكانية التعرف بأقرانهم من الجنس الآخر والتدرب على التعامل معهم.
فهناك فوارق في التكوين الشخصي النفسي بين الرجل والمرأة (حتى أن الكتاب يسمي المرأة الإناء الأضعف). وعدم معرفة خصائص كل من الرجل والمرأة الناتج من قصر الصداقة على من هم من ذات الجنس، يجعل من الشخص إنساناً ضيق الأفق قليل الخبرة في التعامل مع النوعيات المختلفة من الناس. وهذا سيؤثر بصورة أو بأخرى على الجوانب الروحية والاجتماعية في حياته، فسيكون نفعه في مجال الخدمة الروحية محدوداً كما ستعوزه الخبرة (الفطنة 1بط 7:3) في التعامل مع شريك حياته. وهل تظنون أن قلة الخبرة أو انعدام المعرفة شيء يتفق والحياة المسيحية؟ لقد قال الحكيم: «أيضاً كون النفس بلا معرفة ليس حسناً» (أم 2:19).
الصداقة مع الجنس الآخر تساعد على نمو الشخصية نمواً صحياً.
إن شخصية الإنسان لا تنضج في يوم وليلة، بل تحتاج لسنوات طويلة وتدريبات كثيرة. ونضوج الشخصية لا يعني الخلو من العيوب، فهذا مستحيل. لكنها تعني أن الشخص يعرف حقيقة نفسه ويدرك نقائصه. وأحد العوامل التي تساعد على ذلك التدرب على التعامل الصحيح مع الجنس الآخر إذ من خلاله يتعرف الشخص على نقائص الطرف الآخر. وهذا يساعد على أمرين:
أولا: أن يكوِّن فكرة واقعية عن الطرف الآخر، فلا يكون إنساناً خيالياً عائشاً في الأوهام كما يحدث مع الكثير من الشباب.
ثانياً: أن يعرف ضعفاته الشخصية فيكون أميناً في تقييمه لذاته ولا يغالِي في تقديره لنفسه. ولقد حذرنا الكتاب من خطورة الجهل بأنفسنا: «أ رأيت رجلاً حكيماً في عيني نفسه؟ الرجاء بالجاهل أكثر من الرجاء به» (أم 12:26).
الصداقة مع الجنس الآخر تتيح مجالات للخدمة:
هذا يمكن أن يفهمه الناضجون الذين يفكرون بطريقة صحيحة فيسألون أنفسهم: “كيف يمكن أن أساعد صديقي (صديقتي) روحياً؟ بدلاً من أن يكون السؤال: “ما الذي يمكنني أن أحصل عليه من وراء هذه العلاقة؟”. لقد قال أحدهم: “إن الذات ترغب في أن تُخدَم أما المحبة الحقيقية فتُسر أن تخدم”.
ومتى كان الشخص ناضجاً فإن هذا المفهوم الروحي يمكن أن يؤدي لنفع حقيقي من خلال صداقة صحيحة مع الغير وإن كنا نعيش في حضرة الرب، وهدفنا خدمته، وسلوكنا يتصف بالجدية فإن هذا سيعطينا نظرة صحيحة للصداقة وسيحفظنا من كل اتجاه جسدي رديء. «كل شيء طاهر للطاهرين، وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهراً، بل قد تنجس ذهنهم أيضاً وضميرهم» (تي 15:1).
فائدة أخرى هامة جداً وهي أن الصداقة تعطينا فكرة واقعية عن نوعية الشخص الذي نحتاجه كشريك للحياة.
فمن الأهمية بمكان أن يدرك الإنسان عند الارتباط أنه لا توجد شخصية واحدة كاملة خالية من النقائص والعيوب. هذا الفكر سيمكِّن الشريكين من قبول أحدهما للآخر والتعايش معاً في سلام رغم وجود النقائص (رو 1:15، 7). أما من ليس له دراية بهذا الأمر فسيُصدم بنقائص شريك الحياة وعند حدوث أي خلاف سيتساءل : “تُرى هل شريك حياتي هو الشخص المناسب لي أم أني أخطأت الاختيار؟ ويا له من فكر مزعج.
لكني أقدم هنا كلمة أشعر أنه لا بد منها لكل شاب يريد الارتباط: ضع نُصب عينيك دائماً قول الكتاب «توكل على الرب بكل قلبك، وعلى فهمك لا تعتمد. في كل طرقك اعرفه، وهو يقوِّم سُبلك» (أم 5:3، 6).
إن الكتاب لا يطالبنا أن نلغي فهمنا ولا نستعمل عقلنا، بل يوصينا ألا نعتمد عليه. بمعنى أن الفهم البشري والمنطق الإنساني بمفرده لا يصلح لاتخاذ القرار. إننا بلا شك نستخدم العقل في تحديد مشيئة الله لحياتنا، لكنه العقل الخاضع لكلمة الله، والحساس لقيادة روحه لا المستقل عنه. إذاً ليكن اتكالنا على الله كلية، فهو وحده العارف القلوب، وهو القادر أن يقودنا لاتخاذ القرار الصحيح. «وتطلبونني فتجدونني إذ تطلبونني بكل قلبكم. فأوجد لكم» (إر 13:29).
لكن هل توجد مخاطر في طريق الصداقة بين الشاب والشابة؟
هذا ما سنتحدث عنه بمشيئة الرب في العدد القادم.