استوقفتني كلمات بولس الرسول التي كتبها للقديسين في تسالونيكي: “وَأَمَّا الأَزْمِنَةُ وَالأَوْقَاتُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِالتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ هكَذَا يَجِيءُ. لأَنَّهُ حِينَمَا يَقُولُونَ: سَلاَمٌ وَأَمَانٌ، حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلاَكٌ بَغْتَةً، كَالْمَخَاضِ لِلْحُبْلَى، فَلاَ يَنْجُونَ” (1تسالونيكي1:5-3).
الأغلبية العظمى في العالم اليوم يعيشون في سلام الأوهام، ولا يعلمون أن الهلاك قادم مع أن الأعمدة قد انقلبت أمامهم.
عمود الحياة الروحية
فكنائس اليوم استبدلت رسالة الإنجيل النقية، بإنجيل عبادة الذات، والملذات، ويمكن أن يُقال عن أعضائها بغير تحفّظ: “لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا” (2تيموثاوس 5:3).
عمود القيم الكتابية
لقد انهارت القيم التي أعلنها الكتاب المقدس.. فحياة الطهارة صارت أسطورة، ونحن نقترب جداً من اليوم الذي لن نسمع فيه عن زواج رجل وامرأة، ارتبطا بعهد الزواج المقدس.. بل عن زيجات تحطّمت على صخرة الخيانة الزوجية.
عفاف العذارى، صار قصة قديمة استبدلت بأن تعيش الفتاة مع شاب حياة زوجية تحت سقف واحد دون زواج مقدس يربط الاثنين.
عمود الأسس المالية
انهيار الاقتصاد عالمياً بالصورة التي نعيشها اليوم، أعلن عن طمع الإنسان، وفوضى الأنظمة التي تحت ظلها يمكن لرجل ذكي أن ينهب الملايين والبلايين دون أن يدري به أحد.
عمود الأسس العائلية
فقد انتهى عصر احترام وإكرام الوالدين، وصار الشباب متمرداً ومعانداً، وغارقاً في تعاطي المخدرات، وشرب الخمر، والإغراق في كل ما هو نجس وقبيح. ومع انقلاب الأعمدة بالصورة التي ذكرت، فإن الأغلبية تعيش في سلام الأوهام.
ما الذي أعنيه بسلام الأوهام؟
أقول: سلام الأوهام هو سلام الاتكال على المال..
سلام الأوهام هو سلام الاتكال على الأعمال.
سلام الأوهام هو سلام الاتكال على تقاليد الأجيال.
سلام الأوهام هو سلام الاتكال على المال
لقد صار المال معبوداً للجماهير.. يسعى إليه الناس بطريق الحلال والحرام.. ومحبة المال كالسرطان تنمو داخل الإنسان حتى تقضي عليه “مَنْ يُحِبُّ الْفِضَّةَ لاَ يَشْبَعُ مِنَ الْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ الثَّرْوَةَ لاَ يَشْبَعُ مِنْ دَخْل” (جامعة 10:5).
ومحبة المال أصل لكل الشرور، ففي سبيل المال يبيع الإنسان ضميره، وشرفه، ومبادئه، ويأخذ الرشوة، ويعوّج القضاء، وتتزوّج الفتاة رجلاً كل امتيازه أنه غني. وبالمثل يفعل الشاب فيتزوج فتاة كل امتيازها أنها ذات مال، لذلك يقول الروح القدس:
“وَأَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ، تُغَرِّقُ النَّاسَ فِي الْعَطَبِ وَالْهَلاَكِ. لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ” (1تيموثاوس 9:6-10).
إن الكثيرين يخدمون المال ظناً منهم أنه يعطيهم السلام في حاضرهم ومستقبلهم… وسلام الاتكال على المال هو سلام الأوهام. فالمال لا يعطي صحة.. ولا يعطي سعادة.. ولا يعطي سلاماً حقيقياً. لذلك قال داود النبي في المزمور: “إِنْ زَادَ الْغِنَى فَلاَ تَضَعُوا عَلَيْهِ قَلْبًا” (مزمور 10:62).
سلام الأوهام هو سلام الاتكال على الأعمال
اعتقد المصريون أيام الفراعنة، أن الإنسان حين يموت تمثل روحه في محكمة أوزوريس، وفي هذه المحكمة توزن أعماله. فمن زادت أعماله الصالحة دخل إلى رحاب الآلهة، ومن نقصت أعماله الصالحة كان مصيره العذاب الشديد.
هذا الاعتقاد موجود عند الكثيرين، فمن ثقلت موازين أعماله الصالحة دخل الجنة مع المفلحين، ومن خفّت موازينه كان من الخاسرين.
كثيرون يعيشون في هذا السلام الوهمي، سلام الاتكال على الأعمال الصالحة.. ومن يعيشون في هذا الوهم يظنون أنهم يستطيعون أن يقدموا “رشوة” لله ليتغاضى عن سيّئاتهم بالنظر إلى حسناتهم.
الاتكال على الأعمال الصالحة مصدره كبرياء الإنسان، فهو يريد أن يفتخر بأن أعماله الصالحة هي التي فتحت له أبواب السماء والحياة الأبدية.
والاتكال على الأعمال الصالحة إهانة كبرى لله القدوس العظيم.. وإنكار علني لكفاية دم المسيح الكريم.
فإذا كانت الأعمال الصالحة كافية لضمان نوالنا الحياة الأبدية، فلماذا مات المسيح موت اللعنة.. موت الصليب؟!
إن الذي يتكل على أعماله الصالحة لنوال الحياة الأبدية، يتكل على بيت العنكبوت!
لقد أعلن الله في كلماته أن أعمالنا الصالحة نجسة ومرفوضة كما قال النبي إشعياء: “وَقَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ، وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ (ثوب المرأة في نجاسة حيضها) كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا” (إشعياء 6:64).
وأعلن أن الخلاص من الخطية وعقابها هو بالنعمة الإلهية وليس بالأعمال “لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ” (أفسس 8:2-9).
الله القدوس لا يقبل أن يفتخر أحد أمامه. فالخلاص من عقاب الخطية، وسلطان الخطية، وسلطان الشيطان، والدينونة الأبدية.. كل هذا بنعمته المجانية.. والنعمة تعني الإحسان إلى إنسان لا يستحق الإحسان.. وهو يمنح نعمته مجاناً “لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ” (1كورنثوس 29:1).
إن محاولة إضافة أعمالك الصالحة إلى ما عمله المسيح يسوع بموته على الصليب تعني عدم إيمانك بكفاية دم المسيح لخلاصك.. وهذه إهانة كبرى لله وتدبيره الأزلي لخلاص الخطاة.
إن الاتكال على الأعمال الصالحة يعطيك سلاماً.. هو سلام الأوهام.
سلام الأوهام هو سلام الاتكال على تقاليد الأجيال
أعلن الرب يسوع حكمه بإدانة تقاليد الأجيال.. وذلك لأن التقاليد أخذت قدسية تزيد عن قدسية كلمة الله، وبكلمات يسوع المسيح أبطلت التقاليد كلام الله.
فتعال معي لنقرأ كلمات يسوع المسيح بخصوص تقاليد الأجيال:
“وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ الْفَرِّيسِيُّونَ وَقَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ قَادِمِينَ مِنْ أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا رَأَوْا بَعْضًا مِنْ تَلاَمِيذِهِ يَأْكُلُونَ خُبْزًا بِأَيْدٍ دَنِسَةٍ، أَيْ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ، لاَمُوا. لأَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ وَكُلَّ الْيَهُودِ إِنْ لَمْ يَغْسِلُوا أَيْدِيَهُمْ بِاعْتِنَاءٍ، لاَ يَأْكُلُونَ، مُتَمَسِّكِينَ بِتَقْلِيدِ الشُّيُوخِ. وَمِنَ السُّوقِ إِنْ لَمْ يَغْتَسِلُوا لاَ يَأْكُلُونَ. وَأَشْيَاءُ أُخْرَى كَثِيرَةٌ تَسَلَّمُوهَا لِلتَّمَسُّكِ بِهَا، مِنْ غَسْلِ كُؤُوسٍ وَأَبَارِيقَ وَآنِيَةِ نُحَاسٍ وَأَسِرَّةٍ. ثُمَّ سَأَلَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ وَالْكَتَبَةُ: لِمَاذَا لاَ يَسْلُكُ تَلاَمِيذُكَ حَسَبَ تَقْلِيدِ الشُّيُوخِ، بَلْ يَأْكُلُونَ خُبْزًا بِأَيْدٍ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ؟ فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: حَسَنًا تَنَبَّأَ إِشَعْيَاءُ عَنْكُمْ أَنْتُمُ الْمُرَائِينَ! كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: هذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا، وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ. لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ: غَسْلَ الأَبَارِيقِ وَالْكُؤُوسِ، وَأُمُورًا أُخَرَ كَثِيرَةً مِثْلَ هذِهِ تَفْعَلُونَ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: حَسَنًا! رَفَضْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ لِتَحْفَظُوا تَقْلِيدَكُمْ! لأَنَّ مُوسَى قَالَ: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَمَنْ يَشْتِمُ أَبًا أَوْ أُمًّا فَلْيَمُتْ مَوْتًا. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَقُولُونَ: إِنْ قَالَ إِنْسَانٌ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: قُرْبَانٌ، أَيْ هَدِيَّةٌ، هُوَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي فَلاَ تَدَعُونَهُ فِي مَا بَعْدُ يَفْعَلُ شَيْئًا لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ. مُبْطِلِينَ كَلاَمَ اللهِ بِتَقْلِيدِكُمُ الَّذِي سَلَّمْتُمُوهُ. وَأُمُورًا كَثِيرَةً مِثْلَ هذِهِ تَفْعَلُونَ” (مرقس 1:7-13).
أعلن يسوع للفريسيين والكتبة أن تمسكهم بتقليد الأجيال.. تقليد الشيوخ يجعل عبادتهم المؤسسة على هذه التقاليد عبادة باطلة “وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ” (مرقس 7:7).
وأعلن أن تمسكهم بالتقاليد يعني تركهم لوصية الله.. “لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ” (مرقس 8:7).
وأعلن أن تمسكهم بالتقاليد يعني رفضهم لوصية الله “رَفَضْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ لِتَحْفَظُوا تَقْلِيدَكُمْ” (مرقس 9:7).
وأعلن أن تمسكهم بالتقاليد هو إبطال لكلام الله “مُبْطِلِينَ كَلاَمَ اللهِ بِتَقْلِيدِكُمُ الَّذِي سَلَّمْتُمُوهُ” (مرقس 13:7).
السلام المؤسس على تقاليد الأجيال، سلام وهمي.. لأن تقاليد الأجيال ابتعدت كثيراً عن كلمة الله.. والتعاليم المؤسسة على تقاليد الأجيال هي تعاليم مؤسسة على الرمال. وقد قال يسوع المسيح لمن سمعوا عظته على الجبل:
“وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا، يُشَبَّهُ بِرَجُل جَاهِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ. فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَصَدَمَتْ ذلِكَ الْبَيْتَ فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيمًا” (متى 26:7-27).
فعدم تطبيق كلام الله على حياتنا، وتمسكنا بتقاليد الأجيال التي سبقتنا يؤدي إلى سقوطنا العظيم؛ حين تنزل الأمطار… وهي تشير إلى تجارب تأتي من السماء، وتأتي الأنهار… وهي تشير إلى تجارب مصدرها الناس، وتهبّ الرياح وهي تشير إلى تجارب من الشيطان.
فهل تبني بيتك على صخر كلام الله، أو على رمال تقاليد الأجيال؟!
لا أستطيع أن أتركك إلا إذا أعلنت لك، أن نبع السلام الحقيقي هو الرب يسوع المسيح الذي قال لتلاميذه:
“سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا” (يوحنا 27:14).
“قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ” (يوحنا 33:16).
فافتح قلبك لرئيس السلام، واعطه المكان الأول في حياتك، وعندئذ ستختبر السلام الحقيقي ولن تعيش في سلام الأوهام.