لم أستطع أن أُمسك دموعي من أن تنحدر على خديَّ عندما رأيت ذلك الكتاب المقدس الكبير وقد لفه السواد من كل ناحية نتيجة للرماد الذي وصله من الحريق الذي شب في مبنى الكنيسة. ولكن العجيب أنه عندما فتَحتُ ذلك الكتاب لم أجد ورقة واحدة محترقة، أو حتى احترق طرفها!
وقعت أحداث القصة قبل عدة سنوات، عندما اقتحم مجموعة من المشاغبين المبنى، بينما كان الإخوة مجتمعين للصلاة، وكان المشاغبون قد اقتحموا المكان ممسكين بالمواد المشتعلة، وراحوا يلقون بها يمينًا ويسارًا في كل أرجاء المكان.
ساد الهلع والفزع على كل المجتمعين، وراحوا يحاولون الهروب من المكان وطلب النجدة. في تلك الأثناء كان أحد أفراد المشاغبين بداخل المبنى يلقي بالمواد المشتعلة بجنون في كل أرجاء المكان، كما لو كان في حرب مع جيش بأكمله. وما هي إلا دقائق معدودة حتي كانت النيران قد سيطرت على كل المبنى، واحتضنت النيران المكان، مدمِّرة لكل شيء يقف في طريقها.
ساد الصمت الجميع وظلوا منتظرين ذلك الرجل الذي كان بالداخل، حتى يخرج ويتم إلقاء القبض عليه، لكنه لم يخرج.
وبعدما هدأت النيران دخل الإخوة لاستكشاف الخراب الذي نتج عن هذا الحريق الهائل… وهنا رأوا ذلك المشهد العجيب، فقد كان ذلك المشاغب قد احترق تمامًا حتى إنه التصق بالأرض من شدة النيران. وعلى بُعد خطوات معدودة منه، كان أمامه ذلك الكتاب المقدس الكبير – وقد احترق كل شيء من حوله – أما ذلك الكتاب فلم تمسَّه النيران قَطّ، ولم يتأثر بالحريق، سوى بآثار الرماد الأسود الذي غطاه بالكامل نتيجة لشدة الحريق. لقد احترق من قام بالحريق، أما كلمة الله فلم تَمَسها النيران من قريب أو بعيد. والأروع أنه بعد مرور سنوات طوال، أُعيد بناء المبنى في أفضل صورة، وهكذا وقَفَت مرة أخرى الكنيسة شامخة، شاهدة على صلاح الله وحفظه لكلمته وشهادته في هذا المكان.
صديقي، إننا نعبد إلهًا حيًّا عظيمًا، يستطيع أن يحفظ كلمته وشهادته في كل مكان. لكني أود أن أتوقف للتأمل معك في هذه النقاط:
الله قادر أن يحفظ كلمته
فعلى مَرِّ العصور كم هُوجِم الكتاب المقدس! وكم من المرات حاول الأشرار حرقه وإعدامه، حتى إن بعضهم تجاسر قائلاً إنه لن يكون هناك كتاب مقدس واحد في كل الكرة الأرضية! لكن الزمان يشهد أن جميعهم ماتوا، وبقي الكتاب المقدس شامخًا محفوظًا بقدرة الله. نعم، وكيف لا والمسيح في أيام وجوده على الأرض قال: «السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول» (متى24: 35). وقال الله في سفر إرميا1: 12 «لأني أنا ساهر على كلمتي لأُجريها».
الله قادر أن يحفظ أولاده
إن الله مسؤول عنا، ومسؤول عن حفظنا؛ فهو يحرسنا: «أنتم الذين بقوة الله محروسون» (1بطرس1: 5)، بل إن شعور رؤوسنا مُحصاة عنده: «بل شعور رؤوسكم أيضًا جميعها مُحصاة. فلا تخافوا أنتم أفضل من عصافير كثيرة» (لوقا12: 7)، وكل عظمة من عظام أجسامنا هو مسؤول عنها: «يحفظ جميع عظامه. واحد منها لا ينكسر» (مز34: 20).
صديقي، ربما تمر بظروف تشبه النيران، أو حتى أصعب من النيران، لكن ذلك الإله الذي كان مع الأبطال الثلاثة في أتون النار هو نفسه يحميك ويحرسك ويحفظك: «أجاب وقال: ها أنا ناظر أربعة رجال محلولين يتمشون في وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بابن الآلهة» (دانيآل3: 25). نفس الإله يستطيع أن يرافقك حتى في وسط النيران ويخرجك سالمًا!
الرب قاضٍ عادل
يقول الكتاب: «يعلم الرب أن ينقذ الأتقياء من التجربة، ويحفظ الأَثَمة إلى يوم الدين مُعاقَبين» (2بطرس2: 9)، فهو إله عادل لا يرضى بظلم الأشرار ومضايقتهم لأحبائه: «إذ هو عادل عند الله أن الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقًا» (2تيموثاوس2: 9). فإذا كان في صلاحه يكافئ الصديق ففي عدله أيضًا يجازي الشرير: «الشر يُميت الشرير ومبغضو الصدِّيق يُعاقَبون» (مزمور34: 21).
فلنُعظِّم إلهنا معًا لأنه إلهٌ عظيمٌ قادرٌ على حفظ كلمته وحفظ أولاده، ولنهتف من قلوبنا قائلين: «ليس مثل الله… يركب السماء في معونتك والغمام في عظمته» (تثنية33: 26).
نفسي تغني.. ما أعظمك! يا مخلصي.. ما أعظمك!