الإنسان كائن ثلاثي: النفس والروح والجسد وهذه الحجرات الثلاث متجاورة إن لم تكن متداخلة ومن العبث فصل الحياة الإنسانية إلى حياة روحية مرة وحياة جسدية مرة وحياة نفسية مرة، كما لو كان التواجد في اتجاه يلغي الاتجاهين الآخرين.
لكن المنطق والواقع في ذات الوقت يقر أن استهلاك الإنسان جسديًا يؤثر عليه روحيًا، فالحياة والعبادة الروحية تحتاج إلى طاقة ذهنية، قال عنها بولس عبادتكم العقلية (رومية 12: 2)، لهذا كم من المرات التي ندخل فيها محضر الرب بلا ذبائح أو مشتتي الفكر أو البعض لا يشعر بلمسة، مع أن حضور الرب واضح في الاجتماع، أو في خلوته الخاصة لا يشعر بأية لمسة، مع أن كلمة الرب في ذاتها مؤثرة.
الاستهلاك الجسدي يؤثر على الحالة النفسية، فكم من المرات،تصل الطاقة النفسية للصفر لمجرد الاستهلاك الجسدي، فلا يجد الشخص طاقة للتعامل بسلاسة مع الآخرين والمثال لذلك مرثا في ارتباكها لأجل أمور كثيرة، لكن كانت الحاجة إلى واحد، ففي ارتباكها تكلمت عن أختها وعن الرب بطريقة غير لائقة وهكذا كم من المرات تكون لنا ردود لا نرضى عنها عندما نراجعها في وقت أكثر هدوءً.
كما أن وقت الإستهلاك نكون لقمة سائغة للعدو فيبتلعنا “ملتمسًا من يبتلعه هو” (1بط5: 8) فلعلنا لا ننسى مشورة أخيتوفل عندما أشار أن ينزل هو وجيشه المنتخب على داود وهو متعب ومرتخي اليدين فيفر الرجال من حوله ونقتل داود (2صموئيل الثاني17: 2) وهكذا كم قُتل كثيرون لسبب الإجهاد الزائد.
فكم نحتاج أن نطيع وصية الكتاب التى لم يطيعها الشعب: “بالرجوع والسكون تخلصون بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم، فلم تشأو” (إشعياء 30 : 15) ونجاح الشخص يشمل نجاحه في كافة جوانب الحياة الروحية والنفسية والجسدية “أروم أن تكون ناجحًا وصحيحًا في كل شيء كما أن نفسك ناجحة” (3يوحنا 2).
الاحتراق النفسي: هناك مرض عصري اسمه الاحتراق النفسي ويحدث في حالة التثقل أزيد من اللازم وأننا نحمل أنفسنا فوق طاقتنا، للدرجة التي تصل فيها نفسيتنا للصفر، بل وتحت الصفر، عندئذ ليس العلاج هو في التسرع والذهاب للأطباء النفسيين وأخذ العقاقير والمهدئات، بل هو أخذ قسط من الراحة، عندئذ يتم تجديد الطاقة الجسدية وكذلك النفسية.
تأثير الحالة الروحية على الجسدية والنفسية:
كلمة الله تقوي الروح وهي غذاء لأنه “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله (متى4: 4) وفي ذات الوقت هي “دواء لكل الجسد” (أمثال4: 22)، وكلمة الله تنعش النفس وتغذيها.
قال الرب يسوع في أيام جسده: “تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم” (متى11: 28).
وفي مزمور الشركة مع الرب، يقول داود: “عطشت إليك نفسي يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة وبلا ماء” (مزمور63: 1).
حتى في التجارب: “عند كثرة همومي. في داخلى تعزياتك تلذذ نفسي” (مزمور94: 14).
ومن خلال الشركة مع الرب، تُشفى كل العلل النفسية، فالمزمور الذي ناجى فيه داود نفسه قائلاً:”باركي يا نفسي الرب” هو ذات المزمور الذي أكمل الحديث فيه بالقول: “الذي يشفي كل أمراضك” (مزمور103 : 3).
ليت هذه العبارات تعطي الفرصة للقارئ لمراجعة الحياة الروحية وتهدئة رتمها ويطيع ما قاله بولس لأهل تسالونيكي عن قوم: “نوصيهم بأن يشتغلوا بهدوء ويأكلوا خبز أنفسهم” (2تس 3: 12)، وهذا تأكيد لما قاله في الرسالة الأولى: “وأن تحرصوا أن تكونوا هادئين وتُمارسوا أموركم الخاصة وتشتغلوا بأيديكم أنتم كما أوصيناكم” (1تس4: 11).
أتمنى أن نخفف من سرعتنا ونستمتع بالحياة، فالمرحلة التي تنقضي لن تعود مرة أخرى.
إننا نؤكد أننا لسنا الله لكي نعمل كل شيء ومع ذلك فعندما أعاد الله تجديد الخليقة قام بهذا في ستة أيام، مع أنه كان يمكن عمل ذلك في يوم واحد أو بكلمة واحدة وكذلك استراح في اليوم السابع، مع أن الله لا يتعب، لكن من ضمن ما تعني الكلمة أنه استمتع بنتائج أعماله.
وأعطى الرب يسوع ملخصًا لحياته على الأرض عندما قال: “العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته” (يوحنا17: 4). فهو لم يعمل على الأرض كل شيء ولم يشفِ جميع المرضى ومع ذلك لم يشعر بالتقصير، فلقد فعل فقط ما قصده الآب أن يعمله.
كم من المرات نشعر بالذنب الكاذب لعدم مقدرتنا بالوفاء بجميع الالتزامات وعدم تلبية حاجات جميع الناس الذين يلجأون إلينا، مع أننا عندما نقول لا لشيء، فنحن نقول نعم لشيء آخر أكثر أهمية!
ليتنا لا نضحي بصحتنا ولا بسلامنا لسبب زهو الحياة وبريقها، فكما قال واحد: “نحن والصحة نبحث عن المال في شبابنا وفي نهاية حياتنا نحن والمال نبحث عن الصحة ولا نجدها!”.
دعونا نحرص على أوقات الشركة، فهي قوام الحياة والسلوك والصحة الروحية. قال واحد: “الله لن ينحني أمام عصر السرعة وكل من أراد أن يتعامل مع الله فليعطه وقتًا”. ليتنا نأخذ العبرة من كل هذا، ونكون عقلاء.