المرض – ببساطة – هو اختلاف عن الحدود الطبيعية في تركيب الجسم ووظيفته، أو في جزء منه، وهذا الاختلاف يؤدي إلى خلل وتدهور في قدرة الإنسان على أن يحيا بصورة طبيعية.
لقد خلق الله الإنسان في حالة البراءة في الجنة، وفي هذا الوقت كان الإنسان في أبهى صورة وكمال الصحة، بل إن الخليقة كلها كانت في حالة من الجمال والروعة والتناغم الذي لا نظير له. لكن في تكوين 3 حدثت الكارثة الكونية الرهيبة، عندما تمرَّد الإنسان، رأس الخليقة، على خالقه ومصدر وجوده، وكسر وصيته التي أعطاها له. ونتج عن هذه الكارثة خلل رهيب في كل شيء؛ فقد لُعنت الأرض بسبب الإنسان «مَلْعُونَةٌ الأرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأكُلُ مِنْهَا كُلَّ أيَّامِ حَيَاتِكَ» (تك3: 17)، وتسرًب الموت إلى الإنسان، ليس فقط آدم وامرأته، بل وكل نسل آدم الذي ورث هذا التشوه والفساد «كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ» (رو5: 12).
إذًا، فكل الأمراض العضوية والنفسية التي يُعاني منها البشر بشدة، والتي زادت وطأتها وحدّتها في هذه الأيام، بل وزاد عجز الإنسان أمامها جدًا، بالرغم من التقدم الكبير في الطب والعلاج هذه الأيام؛ هذه الأمراض نبعها هو هذه الكلمة المريعة “الخطية”.
لكن أرجو ألا يفهم القارئ العزيز من هذا أن كل مريض يعاني نتيجة لخطية قد سقط هو فيها؛ لكن عندما نقول إن المرض دخل إلى البشر بسبب الخطية فإننا نعني أن الخطية أحدثت خللاً في التوازن، والوظائف الطبيعية لأعضاء الإنسان، وأجهزة جسده الحيوية والنفسية، حتى إنه لا يوجد إنسان واحد في كل التاريخ لم يتأثر من خلل مرضي في حياته.
وإن كان طبعًا بعض الأمراض تكون كنتيجة مباشرة للخطية كما تٌعلمنا كلمة الله في إنجيل يوحنا 5: 14 «بَعْدَ ذَلِكَ وَجَدَهُ يَسُوعُ فِي الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ فلاَ تُخْطِئْ أَيْضًا لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ»، أو كتأديب من الله للمؤمن «مِنْ أَجْلِ هَذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى» (1كو11: 30)، لكن ليست هذه القاعدة العامة.
لكن كيف يواجه الإنسان آلام المرض المذلة، وأنا أعني هنا الأمراض الرهيبة التي يقف الطب بكل تطوره وتقدمه عاجزًا أمامها؟
أولاً: اليأس والإحباط هما أخطر المشاعر التي يعاني منها المريض، وبالذات عندما يشعر بالحيرة والعجز في كلام وعيون الأطباء حوله، وعندما يرى نظرات الشفقة والحزن في عيون أحبائه. هذه المشاعر ربما تكون أخطر من المرض العضوي نفسه، لأنها قد تقود الإنسان للاكتئاب ورفض الحياة نفسها، وهذا ما يريده الشيطان تمامًا. إذًا على المريض أن يجاهد بكل قوته ألا يستسلم لهذه المشاعر المدمِّرة، بل يتحوَّل بسرعة عنها إلى الله.
أخي الحبيب المـتألم: أنت غالٍ جدًا في عيني الله، وهو لم يتركك أو ينساك لحظة واحدة، حتى وإن كنت لم تتقابل معه بعد، فهو يستخدم كل الوسائل والظروف، الجيد منها والمؤلم، لكي يجتذبك إلى شخصه، لكي تحصل على أثمن شيء في الوجود؛ الحياة الأبدية.
وإذا كانت تجربة المرض سببًا في أن تُلقيك في حضنه، ليس لمجرد أن تنال الشفاء ثم تتحول عنه، بل لتبدأ معه علاقة لا تنتهي على الأرض وفي الأبدية، فستتحول هذه التجربة إلى أعظم بركة في حياتك.
أما إذا كنت أخي الحبيب قد تقابلت معه، فلا بد أن تتذكر قول الرب: «الأَفْكَارَ الَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَفْكَارَ سَلاَمٍ لاَ شَرٍّ، لأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً» (إر29: 11). وعندما يبرز التساؤل: إذًا لماذا يسمح لي بهذا الألم؟ لا بد أن تسارع بالرد: إنه كأب حكيم مُحب يعرفني أكثر من نفسي، بل ويعرف كيف يُجمّلني ويشكِّل فيً، لكي أكون إناءً مُكرمًا نافعًا له، فهو يجعل كل الأشياء تعمل معًا – حتى أتون المرض – لخيرك.
ثانيًا: عندما تُهاجمك مشاعر القلق والخوف، وتبدأ في التساؤل: لماذا يحدث لي هذا؟ حتى متى أظل أعاني من وطأة هذه التجربة؟ أرجو أن تسمع همسات الرب الرقيقة «وَلَكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا» (1كو10: 13). إذًا اطمئن – أخي الحبيب – فأمانته تلزمه ألا يدعك تجرب فوق احتمالك، وفي وسط الألم سوف يُظهر المنفذ ليجعلك تستطيع أن تحتمل.
لكن أيضًا ثق في هذا: أن لهذه التجربة غرضًا ونهاية، متى استنفدت الغرض منها فحتمًا المحب القدير سوف يضع لها حدًا. وهذا ما تؤكده كلمة الله «إِنْ كَانَ يَجِبُ – تُحْزَنُونَ يَسِيرًا بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ، وَهِيَ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ الْفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِالنَّارِ، تُوجَدُ لِلْمَدْحِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمَجْدِ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1بط1: 6، 7). حتى إن الرسول بولس عندما قارن بين آلام الزمان الحاضر، مهما عظمت، والمجد الأبدي الذي سوف يتمتع به كل مؤمن احتمل الألم بصبر وشكر، صرَّح قائلاً: «فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا» (رو8: 18).
إنني أؤمن بكل يقين، من خلال رؤيتي لمئات المتألمين بأمراض مختلفة، إنَّ أتون المرض وآلامه الرهيبة من الممكن جدًا احتمالها، بل من الممكن جدًا أن تتحول إلى وقت من أمجد الأوقات في حياة الإنسان، إذا كانت سببًا في أن يلتقي بالله ويتعرف عليه كالمخلّص والفادي.
وبالنسبة للمؤمن الحقيقي المولود من الله فإذا استطاع – مستندًا إلى نعمة الله – أن يكسر الحصار الرهيب داخل دائرة الألم واليأس وعجز الأطباء، ويرى يدَيّ القدير وسلطانه وراء كل الأمور، مستعينًا بكلمة الله الصادقة، وأيضًا مستعينًا بتذكر اختبارات حياته، التي أثق بكل يقين أنها تحكي أروع القصص عن أمانة هذا الإله العظيم ومحبته، فإنه سوف يجتاز هذه التجربة المريرة مرفوع الرأس، ويخرج منها وقد تزكى إيمانه، وازداد ثقة وثباتا في إلهه.