سقطت قطرة من العسل على الأرض، فمَرَّت نملة صغيرة وتذوقت العسل، ثم حاولت الذهاب لكن مذاق العسل راق لها فعادت وأخذت رشفة أخرى.. ثم أرادت الذهاب، لكنها شعرت بأنها لم تكتفِ بما ارتشفته من العسل وهي على حافة القطرة.. وقررت أن تدخل في قطرة العسل لتستمتع أكثر وأكثر.. دخلت النملة في العسل وأخذت تستمتع به.. ولما حاولت الخروج لم تستطع؛ لقد كبَّلت قوائمها والتصقت بالأرض، ولم تستطع الحركة، وظلت هكذا حتى ماتت.. فالعالم يقدّم لنا بضاعته في أبهى صورة وأجمل، منظر كأقوال المرأة الأجنبية المغرية التي يشير إليها سفر الأمثال. لذا يجب أن نتحذر منها. ينصح الحكيم ابنه بالقول «يَا ابْنِي، أَصْغِ إِلَى حِكْمَتِي. أَمِلْ أُذُنَكَ إِلَى فَهْمِي لأَنَّ شَفَتَيِ الْمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ (صورة للشهوة والخطية) تَقْطُرَانِ عَسَلاً، وَحَنَكُهَا أَنْعَمُ مِنَ الزَّيْتِ،. لكِنَّ عَاقِبَتَهَا مُرَّةٌ كَالأَفْسَنْتِينِ، حَادَّةٌ كَسَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ. قَدَمَاهَا تَنْحَدِرَانِ إِلَى الْمَوْتِ”(أمثال٥: ١-٥). فالعسل الحلو أعجب النملة وأغراها، لكن في النهاية قتلها.
مسكين، بل جاهل، الإنسان الذي لا يشبع من الرب من خلال كلمته والعشرة معه، ويبحث عن مصادر أخرى للحلاوة في هذا العالم. يقول الحكيم: «اَلنَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ، وَلِلنَّفْسِ الْجَائِعَةِ كُلُّ مُرّ حُلْوٌ» (أمثال٢٧: ٧).
وللعسل رموز ومعانٍ عظيمة في الكتاب
١) فكلمة الرب مشبَّهة بالعسل «أحلى من العسل وقطر الشهاد» (مزمور ١٩: ١٠). قال الرب لأورشليم: «وَأَكَلْتِ السَّمِيذَ وَالْعَسَلَ وَالزَّيْتَ، وَجَمُلْتِ جِدًّا جِدًّا، فَصَلُحْتِ لِمَمْلَكَةٍ» (حزقيال١٣:١٦)
٢) وتوصف أرض كنعان بأنها «أرض تفيض لبنا وعسلاً» أي أرض الخصب والخير الوفير
٣) والعسل طعام يُستخدم في صنع الفطائر (خروج١٦: ٣١)
٤) ودواء «اَلْكَلاَمُ الْحَسَنُ شَهْدُ عَسَل، حُلْوٌ لِلنَّفْسِ وَشِفَاءٌ لِلْعِظَام»( أمثال١٦: ٢٤)
٥) وهو شيء ثمين يوضع في الخزائن (إرميا٤١: ٨)
٦)كما كان من ضمن البضائع (حزقيال ٢٧: ١٧)
٧) وهو من الهدايا المقبولة
ويرمز العسل للمجاملات الطبيعية في الحياة العادية. لكن في وقت الحرب، حيث أيام غير عادية، لا بد من القليل منه «أَوَجَدْتَ عَسَلاً؟ فَكُلْ كِفَايَتَكَ، لِئَلاَّ تَتَّخِمَ فَتَتَقَيَّأَهُ» (أمثال ٢٥: ١٦)، كما فعل يوناثان (١صموئيل١٤). أما في أمور الرب فلا مجال للمجاملات مطلقًا، لذلك حرَّمت الشريعة تقديم العسل وقودًا للرب، ولكن كان يمكن تقديمه قربان أوائل أو باكورة (لاويين٢: ١١، ١٢). ولعل ذلك كان لاحتمال تخمره، أو لأنه يرمز لملذات العالم وريائه ونفاقه، وكلامه المعسول.
إن بضاعة العالم تبدو في أحيان كثيرة حلوة المذاق، لكن عاقبتها مرة كالعلقم.
لقد غرق شمشون في شهوته ومحبته للنساء، كماغاصت النملة الحمقاء. فنزل إلى دليلة في وادي سورق، فوقع في المصيدة كمعنى “سورق”، وقُلعت عيناه، وفارقه الرب، وفارقته قوته، وخسر شهادته، وأضاع كرامته.
وغاص يهوذا الأسخريوطي في محبة المال فلم يكتفِ بسرقة الصندوق الذي كان معه، بل بجرأة ووقاحة باع سيده بقليل من الفضة. فهل أفادته الفضة؟ وهل اسعدته الأموال؟ كلا. لقد اعادها لأصحابها، ولما لم يقبلوها منه، مضى وشنق نفسه ولم يستفد شيئًا.
صديقي وصديقتي
العلم حسن ونافع، لكن إياك أن تترك الرب وتنصرف إلى العلم فالعلم بدون الرب يقود للكآبة كما يقول الحكيم: «الَّذِي يَزِيدُ عِلْمًا يَزِيدُ حُزْنًا» (جامعة١: ١٨).
حتى الطعام، فرغم أنه هام ونافع ويجب أن نهتم بتناول وجبات غنية بما يحتاجه الجسم من عناصر، لكن الإغراق في تناوله بشراهة يقود إلى الكثير من الأمراض الخطيرة والمدمِّرة.
والعمل هام وضروري، حتى أن الرسول بولس يقول: «أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلاَ يَأْكُلْ أَيْضًا» (٢تسالونيكي٣: ١٠)، لكن ان تغرق في العمل من الصباح حتى المساء وكل أيام الأسبوع فهذا موت وانتحار.
أن يحبّ رجل أمرأته وأولاده هذا أمر جيد و حسن.. لكن أن يغرق ويبالغ في محبته لهم على حساب الرب، هذا يحرمه من أن يكون تلميذًا مكرَّسًا للمسيح.
فإبليس يضع لك كثير من السم، في قليل من العسل. فلننتبه
يقولون: إن الحياة ما هي إلا قطرة عسل كبيرة، فمن اكتفى بالقليل من عسلها نجا، ومن غرق في بحر عسلها هلك.
القراءة ممتعه و مفيدة لهذا الكتاب