عزيزى الشاب ، عزيزتى الشابه .
هناك بعض الحقائق الهامة التى يجب أن تتأكد منها قبل مناقشة بعض المشاكل النفسية التي تظهر فى حياة الشباب فى سن المراهقة (13-18 سنة). هذه الفترة التى تُعتبَر من أهم فترات حياة الإنسان لأن فيها تتكون الصفات الأساسية التى تحدد نوع الشخصية؛ لذلك تسمى فترة ميلاد الشخصية، كما أنها أكثر فترات العمر ازدحاماً بالصراع العنيف حيث تكثر الرغائب الغريبة داخل الشاب الذى يبدأ فى اكتشاف نفسه.
أولاً: الله يحبك وقد خلقك واختارك أنت بالذات لأن له قصداً صالحاً فى حياتك وأنت هنا على الأرض. وهذا القصد ليس فقط أن تخدمه أو تقوم بأعمال معينة، ولكن أيضاً وأهم جداً أنه يعمل فيك ويشكلك لتكون بحسب فكره كما يشكل الفخارى كتلة الطين ليصنع منها إناءً خزفياً «فعاد وعمله وعاءً آخر كما حَسُن فى عين الفخارى أن يصنعه» (إرميا 18: 4) وأيضاً «لأننا نحن عمله»(أفسس 2: 10).
ثانياً: أن الله فى نعمته جهزك بتركيبة نفسية وجسمانية خاصة، وأحاطك بظروف عائلية واجتماعية معينة تناسب وتخدم قصد الله الصالح فى تشكيلك، سواء شملت هذه التركيبة مزايا أم عيوباً «قبلما صورتك فى البطن عرفتك، وقبلما خرجت من الرحم قدستك، جعلتك نبياً للشعوب» (إرميا 1: 5).
ثالثا ً : أن مانعتبره نحن نقائص أو عيوباً فى تركيبنا أو ظروفنا، والتى تسبب لنا مشاكل نفسية ، هو جزء هام من تشكيل الله لنا، يخدم قصده فى حياتنا، مثله تماماً مثل أى أمور نعتبرها نحن مزايا ونرضى عنها. وفى الكتاب لنا بعض أمثلة تؤكد ذلك : –
*عندما سأل التلاميذ الرب عن الشخص الذى وُلد أعمى «يامعلم من أخطأ هذا أم أبواه حتى وُلد أعمى أجاب يسوع لاهذا أخطأ ولاأبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه» (يوحنا 9: 2-3).
* نقرأ فى سفر القضاة عن رجلٍ أعسر (يستخدم يده اليسرى) اسمه أهود بن جيرا، استخدمه الرب فى مهمة لم يكن يصلح لها سوى شخص أعسر (قضاة 3: 15-26).
* نقرأ عن يوسف أن إخوته أبغضوه (تكوين 37: 4)، واستمروا فى بغضهم له حتى باعوه، وكانت هذه هى الخطوة الأولى ليترك يوسف بيت أبيه وبالتالى تتحقق أحلامه وقصد الله فى حياته.
إذاً يا صديقى، هل تشعر أن فيك أموراًً تغضب من أجلها وترغب من قلبك تغييرها؟ هل تشعر بفشلك المتكرر وعدم القدرة على التحكم فى نفسك؟ هل تشعر أنك مُحاط بنقاط ضعف فى تركيبك النفسى أو الجسمانى أو الظروف المحيطة، وهى ضد إرادتك، وتمنعك عن التكريس للمسيح؟ هل جزء كبير من صلواتك يُقضى فى التفرغ لتغيير مافيك وماحولك، وللقضاء على مشاعر غريبة تحس بها؟ ثق أن هذه كلها هى ذات الظروف التى سوف يستخدمها الله فى تكريسك له، وهى نفسها المجالات التى فيها يدخل الله اليك ليكشف لك نفسك، ويعلن لك عن شخصه ونعمته .
رابعاً: أن الإيمان لا يلغى التركيب النفسى للإنسان. فهو لا يحول عصبى المزاج إلى شخص هادئ، ولا سريع الغضب إلى حليم، ولابطىء التفكير إلى سريع البديهة، لأن الإيمان ليس مجرد وسيلة لقضاء أعوازى، بل روعة الإيمان أنه يستخدم ذات التركيب النفسى ونفس الظروف المحيطة ويدرب من خلالها لتحقيق قصد الله فى حياته. والنعمة تظهر أكثر ليس بتغير الظروف بل بالتدريب خلالها «تكفيك نعمتى لأن قوتى فى الضعف تكمل» (2كورنثوس 12: 9).
خامساً : فى جميع المشاكل لايوجد حل سحرى؛ كلمات تقرأها أو نصائح تسمعها وتنفذها فيأتى الحل، بل الله يستخدم ماأقرأه وماأسمعه ليقودنى إلى محضره، وهناك أعرف كيف أتعامل مع نفسى فى حضرته، وأقبل ضعفاتى وأنا بين يديه وأشكر عليها وهناك أتعلم القول «بل هدأت وسكنت نفسى كفطيم نحو أمه نفسى نحوى كفطيم» (مزمور 131: 2)، وأيضاً «روض نفسك للتقوى»(1تيموثاوس 4: 7).
سادساً : لايوجد تطابق فى التركيب النفسى وفى الإختبارات لأى اثنين من المؤمنين، وبالتالى مايصلح حلاً لمشكلة أحدهم ربما لايصلح حلاً للآخر حتى وإن تشابهت المشاكل. لأن الله لابد أن يحتفظ لنفسه بشئ فى داخلى لايصل إليه شخص آخر إلا هو بنعمته، وبالتالى لابد أن تكون المشكلة موضوعاً للتعامل المباشر معه، مهما تكن استفادتى من اختبارات الآخرين.
سابعاً : «لأنه حسن أن يُثبت القلب بالنعمة» (عبرانيين 13: 9)، «تقوَّ أنت ياإبنى بالنعمة» (2تيموثاوس 2: 1) هذه نصائح كتابية تساعد فى حل جميع المشاكل. إملأ قلبك وأفكارك وعقلك الباطن (المخزن الكبير الذى يحتوى كل خبرات واختبارات الحياة منذ الطفولة للشيخوخة) املأها بجو النعمة الذى يؤكد لك فى كل الظروف انه مهما يكن فشلك ومهما تكن مشاكلك فالله عنده نعمة تكفى لها وتزيد، والنعمة قادرة أن تخرج لك من الآكل أكلاً ومن الجافى حلاوة. واعلم أن العرش الذى نقترب اليه لنطلب منه هو عرش النعمة «فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكى ننال رحمة ونجد نعمة عوناً فى حينه»(عبرانين 4: 16). هذا الجو سيساعدك على التعامل الصحى مع مشاكلك ومع مشاعرك.