بقلم الاخ انور داود
بمناسبة قيامة المسيح أتمنى أن يكون القاريء العزيز في ملء البركة والفرح متمتعًا بالشركة مع الرب، فأعيادنا روحية في المقام الأول فليس الغرض منها الأكل والشرب واللبس والفسح وزيارة الأقرباء، مع أن هذه الأمور لا غبار عليها، لكنني أخاف أننا ننشغل بهذه الأمور الثانوية وننسى الرب نفسه فنعيد لكن لأنفسنا وليس له مع أننا بدونه ما كان لنا عيد ولا حياة من الأساس، ليتنا لا نقتصر القيامة ليوم واحد في العام ، لكن القيامة نتائجها نتمتع بها كل أيام العام.
بعض النتائج المباركة للقيامة
القيامة والثمر
هناك مشروع أسمى ألا وهو أن الله له ابن وحيد وهذا الابن صانع مسرته ولذته (أم8: 31) وأراد الله في سروره بابنه أن يملأ بيته بأبناء كثيرين مشابهين صورة ابنه وفي طريق تحقيق رغبته هذه استلزم الأمر تكلفة باهظة بأن يُرسل ابنه ويستعرضه أمام البشرية ويُعلن أكثر من مرة سروره به قائلاً: “هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت” (مت3: 7؛ 17: 5).
ويقدمه للموت فيكون كحبة الحنطة التي وقعت في الأرض وماتت وأتت بثمر كثير، والثمر هنا هم المؤمنون به وهذا الثمر الكثير يُبزر بزرًا كجنسه،أي تظهر فيهم حياة المسيح ويتشبهون به في نواح عديدة، وكمثال استفانوس تشبه بالمسيح فلا عجب أنه في وقت استشهاده شابه سيده كثيرًا عندما صلى غافرًا، مثلما صلى الرب يسوع على الصليب: “يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون” (لو23: 34) فكانت صلاة استفانوس “يارب لا تقم لهم هذه الخطية” (أع7: 60).
هذه المشابهة جعلت اليهود والمقاومين يلاحظون بسهولة أن التلاميذ يشابهون الرب يسوع: “فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا فعرفوهما أنهما كانا مع يسوع” (أع 4: 13)، مع أن هذه الواقعة حدثت بعد صعود الرب يسوع.
أخي العزيز:
هل نحمل رائحة المسيح حيثما وُجدنا؟ ( 2كو2: 15)
هل ينطبق علينا القول: أنتم رسالة المسيح؟ (2كو3: 3)
هل شعارنا ما قاله بولس: “أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ”؟ (غل2: 20)
هل ينطبق عليك ما قاله المرنم: هل فيك يرون يسوع؟
هل حياتك مسرح يتجلى عليه أروع شخص.. الرب يسوع؟
هل في كلامك وأفعالك وسلوكك تحرص على أن تُظهر حياة هذا الشخص الفريد؟
هل تعطيه الفرصة أن يحل بالإيمان في قلبك؟ (أف3: 17)
لكي يخلق منك شبيهًا له في الحياة ليشبع قلب الآب ويجد سروره فيك إذ يرى نموذجًا لحياة ابنه ويُسر بها، ليتنا نحرص على ذلك ولا ننس قول الكتاب: “لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين” (رو8: 29).
القيامة والرجاء
“لكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين” (1كو15: 20)
إن أرواح الراقدين ونفوسهم من لحظة الانطلاق تهتف في حضرة الرب وحتى أجسادهم التي تواري التراب ستقوم مرة أخرى لتكون على صورة جسد مجد الرب، لهذا قال أحدهم: ’’إنني حينما أتطلع إلى قبرِ عزيزٍ عليَّ رقد في الرب، أقول: هذه البقعة ستشهد قريبًا أعظم حدث وهو قيامة هذا الجسد مرة أخرى في لحظة مجيء الرب، وكما كان قبر المسيح فارغًا سيكون هذا القبر‘‘.
القيامة والبشارة: “لأنه كان يبشرهم بيسوع والقيامة” (أع17: 18)
كلمة بشارة تعني أخبارًا مفرحة ولا توجد أخبار مفرحة أكتر من أن هناك خلاصًا مقدم لكل هالك وغفرانًا للخطايا لكل عاتٍ وقبولاً لكل راجٍ من خلال عمل المسيح الكامل على الصليب، فبعد أن قام المسيح من الأموات أوصى تلاميذه بالشهادة عنه وعن موته وقيامته: “لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض (أع 1: 8).
وكانت شهادتهم أن المسيح مات حسب الكتب وقام من الأموات في اليوم الثالث وهذا ما نجده في سفر الأعمال. وصار المبشرون مثالاً للمسيح والمسيح يتحرك من خلالهم ويبشر بالخيرات وبالسلام،
مع أنه قبل أن يبشر بالسلام دفع ثمنه على الصليب: “وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل أثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا” (أش53: 5).
وقبل أن يبشر بالخيرات سار في طريق الصليب لنحصل من وراء هذا العمل على كل الخير الروحي والبركات الروحية ليس في الأبدية التي لا تنتهي بل هنا أيضًا: “في طريق العدل أتمشى في وسط سبل الحق فأورث محبي رزقًا وأملأ خزائنهم” (أم8). فكل ما نحن فيه من بركات روحية أساسه عمل الصليب.
عزيزي هل تتجاوب مع كلمة البشارة؟ إن الله يريد أن يقدم لك الخلاص أكثر من احتياجك أنت للخلاص
“الله الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون” (1تي2: 4).
من جهة أخرى ليت كل شخص قبل كلمة البشارة يحمل هذه البشارة للنفوس البعيدة فالأمر لا يتطلب دراسات عميقة في كلمة الرب أو انتظار وقتًا حتى ننضج فالسامرية من أول يوم تعرفت على الرب شهدت عنه هلموا وانظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت (يو4) كذلك الذي كان قبلاً مجنونًا أخبر في العشر المدن. فهيا لانضيع وقتًا فالوقت منذ الآن مقصر.
القيامة والتبرير: “الذي أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا” (رو4: 25)
عزيزي لا داع للنظر إلى نفسك لتبني قبول الله على استحقاقاتك أو تقواك لكن أساس قبولنا أمام الله وقبول عبادتنا هو أننا نظهر أمام الله من خلال المسيح بل هو يظهر أمام وجه الله لأجلنا (عب9: 24).
عزيزي لا تصدق كذبة إبليس الذي يريد أن يبث فيك روح الفشل بأنك غير مقبول عند الله بسبب ضعفاتك، بل ثق عزيزي أنك حتى في لحظة الضعف لم تتغير نظرة الله لك لأنك في المسيح.
القيامة والسلام
كان السلام هو تحية الرب في ظهوراته سواء للمريمات أو للتلاميذ المجتمعين يوم القيامة أو التلاميذ المجتمعين بعد أسبوع من للقيامة، “و فيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال سلام لكما فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له” (مت28: 9)
“ولما كانت عشية ذلك اليوم وهو أول الأسبوع وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم سلام لكم… فقال لهم يسوع أيضًا سلام لكم” (يو20: 19، 21).
“وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضًا داخلاً وتوما معهم فجاء يسوع والأبواب مغلقة ووقف في الوسط وقال سلام لكم” (يو20: 26).
لعلم الرب أن هناك مخاوف حقيقية وليست وهمية عند التلاميذ كان يريد أن يشجعهم أن زمام الأمور لم يفلت من يديه بل بيده مقاصير الأمور فلا الأشرار ولا المقاومين ولا الشيطان نفسه يسستطيع أن يُسقط شعرة من رؤوسهم إلا بإذنه.
وكم كان لهذا بالغ الأثر على التلاميذ المجتمعين لسبب الخوف من اليهود فمع ان المخاطر ظلت كما هي قبل ظهور الرب إلا أن الكتاب يذكر عنهم فرحوا التلاميذ إذ رأوا الرب (يو20)
فالسلام يملأ قلوبنا عندما نرى الرب في المشهد لكن غيابه عن عيون إيماننا هو كل الخطر والخوف وعدم الأمان حتى وإن لم يوجد ما يهددنا.
ليتنا في أزمنة الخطر نتمتع بمعية الرب وسلامه واطمئنانه فلا نهتز أمام المواقف المعاكسة لسبب سلطانه على الظروف وقدرته أن يجعل كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله. فدعونا نثق في معيته ورفقته فنتمتع بسلامه.
القيامة وقدرة الرب: “وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته الذي عمله في المسيح إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السماويات” (أف 1: 19، 20)
حاول اليهود إعاقة الاحتفاظ بجسد المسيح الميت لئلا يُسرق مستغلين التحديات الثلاث التالية :
التحدي الأول: الحجر. الحجر الضخم الذي وضع على باب القبر كان يمثل تحديًا أمام المريمات فجر القيامة قائلات: “مَنْ يدحرج لنا الحجر”.
التحدي الثاني: الحراس الذين كانوا ضابطين القبر.
التحدي الثالث: ختم الإمبراطورية الرومانية أعظم الممالك في ذلك الوقت.
التحدي الرابع الموت نفسه الذي أحكم قبضته على المسيح لكن في فجر القيامة قام الرب حيث قدرته تحدت قدرة المملكة الرومانية وقدرة الموت ذاته،إذ لم يكن للموت أن يمسكه عن أن يقوم من الأموات (أع2) فلم يكن الرب يحتاج حتى للملاك الذي أتى من السماء ليدحرج الحجر ويجلس عليه، فلقد قام الرب قبل دحرجة الحجر لكن الملاك أتى ودحرج الحجر ليرى شهود القيامة القبر فارغًا.
التحديات الثلاث الأول كان ملاك من السماء كاف للتغلب عليها رفع الحجر رغم ثقله ولمجرد رؤيته الحراس صاروا كأموات وفض ختم المملكة الرومانية، وبقيامة المسيح كسر شوكة الموت.
عزيزي مهما كانت التحديات التي تواجهك لا توجد قوة في الوجود أقوى من قدرة الرب الذي معنا، لهذا لنا الوعد: “إن كان الله معنا( لنا) فمن علينا” (رو8: 31). مهما كانت تجاربك تستطيع فيها أن تختبر قدرة الرب مثلما اختبرها أيوب المجرب وقال للرب: “قد علمت أنك تستطيع كل شيء ولا يعسر عليك أمر (أي42: 2)؛ لذلك أدعوك أن تثق في قدرته في كل ظروفك فتهتف مع بولس مرنمًا لأعرفه وقوة قيامته” (في 3).
القيامة والنجاح: “أما الرب فسُر بأن يسحقه بالحزن إن جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلاً تطول أيامه ومسرة الرب بيده تنجح (إش53: 10)
كل شيء وُضع بين يدي المسيح فعله بنجاح، فعندما أراد الله أن يخلق العالم أوكل المهمة للرب فرسم دائرة على وجه الغمر (أم 8: 27)، وأتقن العالمين (عب 11)، وهو حاملها بكلمة قدرته (عب 1)، وعندما كان على أرضنا قيل عنه: “كل ما يصنعه ينجح” (مز1).
وعندما أراد الله أن يفتدي الإنسان أوكل هذه المهمة للمسيح أيضًا ورغم أنه تكلف في سبيل ذلك حياته إلا أنه قام بهذا بكل نجاح وسرور نعم مكتوب: “الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا” (كو 1: 14)، ومع تحدي الموت أكمل الفداء وقام ناقضًا أوجاع الموت.
وعندما أوكل الله إليه رعايتنا فإنه يقوم بهذا بمهارة يديه وكمال قلبه إلى أن يصل بنا سالمين إلى بيت الآب وعندئذ يقول: “ها أنا والأولاد الذين الله” (عب2: 13).
عزيزي ربما تخطط لمستقبلك أنصحك أن تدع الرب يرسم لك خريطة المستقبل لأنه سيقودك في إرادة صالحة كاملة. وإن كنت تواجه مسئوليات جمة أدخل الرب في مسئولياتك كالشريك المخلص، بل سلِّمه الأمر برمته وسترى وتنطر بعينيك بصمة الرب في الحياة وتختبر النجاح الروحي والزمني في ذات الوقت.
قيامة رجل الاتضاع: “لذلك رفعه الله أيضًا وأعطاه اسمًا فوق كل اسم” (في2: 9)
بإكمال عمل الصليب حقق الرب يسوع مجدًا اكتسابيًا، وكذا عندما دُفن وأُقيم من بين الأموات بمجد الآب (رو6: 4)، لكن ما يدعو للعجب في ذلك الشخص الفريد أن الأمجاد لم تُغيِّر من طبيعته، فالمحبة التي كانت تجري من قلبه نحو الآخرين أيام اتضاعه هي بذاتها التي ظهرت فيه بعد قيامته، وهكذا في كل صفاته.
فسار على الأقدام مع تلميذي عمواس مثلما سار مسافات طويلة ليقابل السامرية، وواسي الحزانى فقال للمجدلية لا تبكي مثلما قال لامرأة قايين ذات القول، واحتفظ بالشركة مع التلاميذ فأيام جسده كان الرب في شركة قوية مع التلاميذ حيث كانوا معه دائمًا (مر3: 13)، وبعد قيامته أيضًا كانوا موضوع اهتمامه حيث أرسل لهم مع النساء قائلاً: «اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا للجليل، وهناك يرونني» (مت10:28).
ليت تأملنا في الرب يولد فينا الأشواق للتشبه به ولا سيما من هذه الوجهة، فإذا سمح الرب لنا بالرفعة فلنعتبر أنها وكالة نؤتمن عليها من الرب فلا نتغير حتى مع تغير الظروف.
ربنا يباركك اخي انور ويبارك خدمتك