في صلاة المسيح التي تسمى (الصلاة الربانية) علمنا الرب يسوع عن الغفران بقوله: “واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا” (متى 12:6). “فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم، يغفر لكم أيضًا أبوكم السماوي. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم” (متى 14:6-15).
والسؤال الذي يواجهنا هو: هل غفران الله لنا يتوقف على غفراننا نحن لمن أخطأ إلينا؟
عندما طلب التلاميذ من الرب يسوع أن يعلّمهم كيف يُصلّون قال لهم: “عندما تصلّون فقولوا “أبانا الذي في السماوات”، ومن خلال هذه الصلاة طلب منهم أن يغفروا. لكن، هل يتوقف الغفران على نسبة غفراننا للآخرين؟ نحن ننال الغفران لأجل خاطر المسيح، ويطلب مِنّا أن نغفر لأننا نلنا الغفران. “قد غفرت لكم الخطايا من أجل اسمه”، وليس لشيء آخر.
ثم يكتب لنا لوقا عن غفران الله لنا بقوله: “له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا”. ثم نقرأ أيضًا: “وأن يُكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا”. هل يوجد تناقض بين هذه الآيات التي ورد ذكرها؟ الجواب: كلاّ. لأن غفران الله لا يتوقف على غفراننا للآخرين. وإلا أصبحت العملية مساومة بينك وبين الله. فتقول لله: “ها أنا قد غفرت لمن أخطأ لي سبع مرات ولذلك أستحق أن تغفر لي سبع خطايا”.
إن هذه المقايضة مقايضة ناموسية ولا تتماشى مع عصر النعمة. لقد كان فكر بطرس عندما سأل الرب يسوع: “كم مرة يخطئ إليّ أخي وأنا أغفر له؟ هل إلى سبع مرات؟” وإني أظن أن بطرس في سؤاله كان يفكر أنه قد تسامى في غفرانه لأخيه وأنه كان يتوقع من الرب أن يقول له: هذا شيء عظيم يا بطرس. لكن الرب يسوع أجابه: “لا أقول لك إلى سبع مرات، بل إلى سبعين مرة سبع مرات” (متى 21:18).
من أجمل ما كُتِبَ عن الغفران هي القصة التي ذكرها الرب يسوع عن رجل غني كان له خادمان، فاستدان أحد الخادمين من زميله مبلغًا ضئيلاً من المال. أما الخادم الآخر فاستدان من سيده مبلغًا كبيرًا. مرت الأيام وجاء الوقت ليسدد الخادم الدين الكبير الذي استدانه من سيده، فجاء إلى سيده واسترحمه وبكى عند رجليه وطلب أن يسامحه. تحنن ذلك السيّد على خادمه وسامحه من كل الدين الذي عليه. ففرح الخادم وشكر سيده. لكن هذا الخادم ما إن خرج من بيت سيده، حتى تقابل مع زميله الذي استدان منه المبلغ الزهيد الذي اقترضه منه. وعندما ابتدأ زميله يسترحمه ويطلب منه أن يعفيه من الدين، رفض بإصرار قائلاً: إن لم تسدد الدين سآخذك إلى المحكمة. سمع السيد بما حدث واستدعى خادمه الذي سامحه بالمبلغ الكبير وقال له: لقد رحمتك بهذا المبلغ الكبير، أما كان ينبغي عليك أن تسامح رفيقك بالمبلغ الضئيل؟ إن إلهنا قد سامحنا بكل الإساءات والخطايا التي اقترفناها في حياتنا ولا بد وأنك تتفق معي أن خطايانا كثيرة جدًا. فمثلاً، لو أخطأت كل يوم خطية واحدة، فمجموع الخطايا في السنة الواحدة 365 خطية. فلو ضربت 365 في عدد سني عمرك، تجد أنك مديون لإلهك بالشيء الكثير.
لقد أراد الله أن يعلمنا من خلال هذه القصة عظمة الغفران، لأنه كان يعلم أنه من الصعب أن يسامح الإنسان لمن يسيء إليه. لكن الرب يسوع أعطانا درسًا في قمة المسامحة والتمس للمسيئين العذر فقال: “يا أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”. من الصعب أن يغفر الإنسان لمن يسيء إليه، لأن الإنسان بطبيعته يحب الانتقام ويرد الإساءة “الصّاع صاعين”. فالعين بالعين، والسن بالسّن، وإن كان غير قادر أن ينتقم فإنه يضمر الحقد إلى أن تسنح الفرصة المناسبة للانتقام.
إن الإنسان خطّاء لأن جبلته فسدت من جراء خطيئة آدم. أخطأ آدم وأخطأت ذريته من بعده، فقام قايين على أخيه هابيل وقتله لأن الله قبل تقدمة هابيل وأما تقدمة قايين فلم يقبلها لعصيانه.
ما هي الأمور التي تساعد الإنسان أن يغفر لمن يسيء إليه؟
أولاً: حاول أن تجد عذرًا لمن أساء إليك كما وجد المسيح عذرًا لصالبيه فقال موجهًا دعوته لأبيه السماوي قائلاً: “يا أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”. ربما كانت المشكلة سوء تفاهم أو ربما كانت ظروفه قاسية في ذلك الوقت.
ثانيًا: تذكر أننا بشر، والبشر من عادتهم أن يخطئوا لسبب أو لآخر.
ثالثًا: تذكر أن الله قد غفر لك الكثير.
رابعًا: تذكر أنك ربما تفعل نفس الشيء لو كنت مكان من أساء إليك.
خامسًا: اذكر كلمات الرب يسوع لليهود الذين جاءوا ليرجموا المرأة الزانية بقوله: “من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر”.
سادسًا: لا تظن أن التسامح ضعف، بل التسامح شيمة الناضجين، إذ لم يكن المسيح ضعيفًا بل كان قويًا. لكنه كان يعرف قوة التسامح وتأثيره على حياة الانسان.
سابعًا: الانتقام وعدم الغفران يسببان القلق للإنسان، ولكن عندما يغفر الإنسان يشعر بالراحة والأمان.
ماذا لو لم يغفر المؤمن لأخيه زلاته؟
أولاً: يعصى الرب الذي يطلب منه أن يسامح كما هو سامحه.
ثانيًا: يخسر الشركة مع الله “إن سلكنا في النور كما هو في النور، فلنا شركة…”.
ثالثًا: يقع تحت التأديب الإلهي “لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا”.
رابعًا: يفقد سلامه مع الله وبركاته التي يريد الله أن يباركه بها.
خامسًا: يفقد فرحه وبهجة خلاصه. يكتب داود النبي عندما أخطأ أنه طلب من الله أن يردّ له بهجة خلاصه: “رُدَّ لي بهجة خلاصك”.
سادسًا: لا يقدر أن يشهد للرب عن محبته وغفرانه وخلاصه.
سابعًا: يُحْزِن روح الله القدوس الساكن فيه.
وأخيرًا، أريد أن أذكّر المؤمن بما كتبه بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس قائلاً: “اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا. لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ، وَلاَ تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَانًا… لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحًا لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ. وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ. لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ. وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ”. (أفسس 26:4-27 و29-32)