النمو الروحي تعبير يشمل الحياة الروحية بجملتها، وهو علامة على الحياة الجديدة والولادة من الله، والعلاقة الصحيحة معه.
والنمو الروحي ليس هو النمو في المعرفة الكتابية فقط، فإخوة كورنثوس كانوا أغنياء في المعرفة وفي كل علم وفي المواهب الروحية والمعجزية، ومع ذلك لم يستطع الرسول أن يُكلِّمهم كروحيين بل كجسديين، كأطفال في المسيح.
النمو الروحي هو ازدياد في العلاقة مع الله، يتبعها التغيير في أوجه الحياة المسيحية ليصبح الشخص أكثر شبهًا بالمسيح ويتصوَّر المسيح فيه.
وفي عائلة الله هناك تدرج مقبول في النمو: أطفال وأحداث وآباء، وفي هذا التدرج الأطفال لن يظلوا أطفالاً باستمرار، بل مع النمو سوف يصيرون أحداثًا ثم آباء. وهذا ما قاله الرسول بولس: لما كنت طفلاً كطفل كنت أتكلم وكطفل كنت أفطن وكطفل كنت أفتكر، ولكن لما صرت رجلاً أبطلت ما للطفل (1كو11:13).
وعنصر الوقت مهم في النمو الروحي فلن ننمو في يوم وليلة، وليست هناك قفزات فجائية في حياتنا، بل إن الأمر يحتاج للكثير من التدريبات الروحية والمعاملات الإلهية عبر السنين، مع التحفظ أن الوقت ليس هو الفيصل الوحيد، فهناك البعض ممن يسبقون الخطوات نحو الرب إذ لهم الأشواق المباركة والاجتهاد الروحي، فيحققون في سنوات قليلة ما يعجز غيرهم عن تحقيقه في سنوات كثيرة.
المقياس الذي يجب أن أنمو إليه:
ليس هو أحد المؤمنين المتقدمين روحيًا، لئلا يأتي وقت أتعثر فيه من تصرفاته وأسلوبه، فأي مؤمن مهما كانت قامته الروحية له أخطاء، لكن المقياس الوحيد الذي حوى جميع أوصاف الكمال هو شخص الرب يسوع المسيح، «إلى قياس قامة ملء المسيح» (أف4: 13). لهذا فإننا مهما نمونا لن نصل إلى حد نكف فيه عن النمو. والنمو الروحي يختلف عن النمو الجسدي، فالنمو الجسدي يأتي وقت يتوقف فيه من الناحية الظاهرية، أما النمو الروحي فليس له نهاية.
خطورة عدم النمو:
الذي لا ينمو هو طفل. وهناك فارق بين الطفولة الطبيعية والطفولة الاختيارية المرضية. وهو أمر محزن أنه بعد طول الزمان يظل الشخص كما هو دون تغيير أو تقدم في حياته الروحية. فمن ناحية، يُحمَل بكل ريح تعليم إذ ليس له أساس ثابت يقف عليه، ومن ناحية أخرى يصبح شخصًا اعتماديًا، يعتمد على الآخرين في حياته الروحية، وعند اتخاذ القرارات، وفي حضوره للاجتماعات الروحية، فهو لا يبحث عن الرب بل الأشخاص، ولا يكون معطاءً مقدمًا بل مستقبلاً فقط. إنه يسير بآراء الناس وليس له اتصال مباشر مع الله، ولا يهمه أن يبحث عن خطة الله له. إنه يقنع بالفتات ويستثقل الطعام القوي من كلمة الله. مثل هذا لن يكون نافعًا للسيد ومستعدًا لكل عمل صالح.
مجالات النمو:
النعمة (2بط3: 18): عندما أدرك أن ما أنا فيه من نجاح وتميُّز ومواهب ومقام في المسيح أساسه نعمة الله المتفاضلة، «أنا ما أنا… ولكن نعمة الله التي معي» (1كو15: 10). أما في الطفولة الروحية فإن الشخص ينسب كل شيء لذاته ولمجهوداته.
في معرفة شخص ربنا يسوع المسيح (2بط3: 18): فمع السنين نعرف الرب أكثر ونتمتع بشخصه وبصفاته من خلال العشرة والسير والشركة معه والتعلم من كلمته. فنعرف أفكاره وقصده ورغباته وما الذي يفرحه أو يحزنه فينا. ونعرف أمجاده وننشغل بها فلا ننخدع بأمجاد العالم الزائلة. إن الآباء في عائلة الله تميزوا بأنهم قد عرفوا الذي من البدء (المسيح). والرسول بولس بعد 30 سنة من الاختبار مع الرب كان لا يزال يقول: لأعرفه! (في10:3).
الإيمان (2تس1: 3): كلما نما المؤمن، ازدادت واتسعت الجوانب التي فيها يثق في الله، ربما في الطفولة كان يثق في بعض الأمور فقط دون البعض الآخر، أما بعدما ينمو إلى مستوى من النضوج فإنه يثق في الله من جهة كل شيء ويُسلِّم له ويستريح.
المحبة (2تس1: 3): في الطفولة تكون المحبة متجهة لبعض الأشخاص دون الآخرين، أما عندما ينمو المؤمن تتسع أحشاؤه وتقبل الكل، المتفقين معه في الرأي وحتى المختلفين معه. كما أن المحبة الطفولية تتسم بالأخذ والأنانية أما المحبة الناضجة فتتسم بالعطاء.
القداسة: بينما يعيش الطفل متهاونًا وغير مقدر اعتبارات قداسة الله، فإننا كلما نمونا سندرك كراهية الله للخطية، وسننفصل عن نجاسات العالم وشهواته ونتعلَّم ضبط النفس والرغبات ونسير زمان غربتنا بخوف.
التكريس: كلما ننمو سيسمو إدراكنا وتقديرنا لشخص المسيح، فنحيا لا لأنفسنا بل للذي مات لأجلنا وقام، وسيصبح المسيح هو الهدف الذي نحيا لنكرمه ونمجده.
معطلات النمو:
الشهوات الشبابية: «أما الشهوات الشبابية فاهرب منها» (2تي 22:2). والشهوات الشبابية في مرحلة الشباب هي كل ما يشتهيه الإنسان من الرغبات الجسدية والعالمية. إنها التمركز حول الذات لإشباعها وإمتاعها، واستخدام كافة الوسائل حتى الأمور الروحية لغرض تعلية الذات، وهي من أكبر المعطلات الروحية.
المعاشرات الردية: «المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة» (1كو 15: 33). هناك أشخاص كنا نتوقع لهم ومنهم الكثير ولكن لسبب سوء اختيار الرفقة تراجعوا روحيًا.
الخطية غير المعترف بها: قد يسقط المؤمن في خطية، وتصبح ثقلاً على ضميره يعيق نموه، وعدم اعترافه بها وتوبته عنها يعني الإصرار عليها، وهذا يحزن الروح القدس ويعطل التقدم الروحي.
الاهتمامات العالمية: الشغل أو الدراسة وهي أمور مشروعة ولا غبار عليها، ولكن لو أخذت أكثر من حجمها الطبيعي تصبح معطلاً روحيًا إذ تأخذ طاقة الإنسان ووقته، فلا يتبقى للحياة الروحية شيء.
الإهمال والكسل: النمو يحتاج إلى بذل كل اجتهاد في دراسة الكلمة والصلاة، أما إذا أهملنا طعامنا اليومي فحتمًا سيؤثر هذا سلبيًا على نمونا الروحي، حتى لو لم تكن هناك خطية مُحددة في حياتنا.
مقومات النمو- وسائط النعمة:
الصلاة: هي المناخ الملائم والجو النقي الذي فيه نمكث أمام الله ونتحدث معه، وهي الأوقات التي فيها ننفرد مع الله والله يعمل فينا ويُغيِّر في كياننا.
التأمل في كلمة الله: عندما نملأ أذهاننا بالكلمة ونخبئها في قلوبنا ونلهج فيها، فإنها تُغيِّرنا وتُثمر فينا سلوكًا مباركًا بحسب فكر الرب.
الاجتماعات الروحية والشركة مع القديسين: هي المدرسة التي فيها نتعلَّم المسيح ونتبادل الاختبارات المشجعة بعضنا مع بعض لكي ننمو معًا ونتعزى معًا ويبني أحدنا الآخر.
الخدمة الروحية: لكل مؤمن عمل أو خدمة، ومن خلالها نتدرَّب ونحرص على التدقيق في السلوك لئلا نُعثر أحدًا أو تُلام الخدمة، كذلك نواظب على السهر في الصلاة لكي يؤيد الرب خدمتنا، ونهتم بدراسة الكلمة لكي يكون عندنا مادة للخدمة. كل هذا له انعكاساته الروحية على حياتنا ويؤدي إلى نمونا روحيًا.
التدريبات الإلهية: من خلال الألم والضغطات الإلهية ترتقي النفس روحيًا وتنمو في علاقتها مع الله، فتفهم الكثير عن ضعفها وهشاشتها، وتفهم الكثير عن محبة وقدرة الله وحكمته وقصده. إن التدريبات ستُشكل وتُغير فينا أشياء كثيرة، وتفطمنا عن أمور تعلَّقنا بها ولم تكن نافعة أو دافعة لحياتنا للأمام بل العكس.
أنور داود