الأصحاح الذي قاله فيه الرب مثل صديق نصف الليل يُذكر في بدايته أن الرب كان يصلي في موضع ولما فرغ من الصلاة قال له واحد من تلاميذه: “يا رب علمنا أن نصلي كما علم يوحنا تلاميذه”، فيبدو أنهم رأوا في صلواته صلاة مختلفة، فتشوقوا لهذا النوع من التواصل مع الله.
فقال لهم الرب الصلاة النموذجية، ثم مثل صديق نصف الليل.
وفي مثل صديق نصف الليل افترض الرب افتراضات ليست موجودة فيه وكأنه يقول لو أن هذه الافتراضات فيَّ ستحظون باستجابات لصلواتكم لسبب لجاجتكم:
فلو أنا مجرد فقط صديق مع أنه في الحقيقة راع وحبيب ونحن له خاصة بل وأعضاء جسده.
لو أنا عندي أوقات غير مناسبة، مع أن الكتاب يقول: “اطلبوا الرب ما دام يوجد ادعوه فهو قريب” (إش55: 6).
لو أنا أنزعج من تواصلكم معي، مع أنه يقول بلغة العريس لعروسه: “اسمعيني صوتكِ”(نش2: 14).
لو هناك أشياء أقول أمامها لا أقدر أن أقوم وأعطيك، مع أنه يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر(أيوب42: 2).
فلو هو كذلك مع أن العكس هو صحيح، فإن اللجاجة تكون مؤهلنا لنوال مقصدنا.
صديق جاء لصديقه في منتصف الليل بدون أن يُحرج، يبدو أنه كان في شركة معه بالنهار. والسؤال لنا: هل نعرف سكة الرب في ليل التجارب أم لنا شركة معه في وقت السلام؟ فدانيآل كمثال رائع كان يصلي ثلاث مرات في اليوم وعندما جاءت التجربة وجب الأسود كان يصلي كما كان يفعل قبل ذلك (دانيال6: 10).
طلب لصديق له: صديق جاء له في منتصف الليل وكان لا يوجد حتى الخبز، فكان في ورطة حقيقية محرجة وكم تكون لصلوات المضطر صدى عند الرب (مز102: 17)، كما يقول المرنم: فلتنظر عيني إليك في أحرج المواقف!
والجميل أنه طلب لا لأجل نفسه، بل لأجل صديقه وهكذا كم يكون لصلواتنا لأجل الآخرين صدى عند الرب، حيث من خلالها نبرهن عن المحبة الحقيقية لإخوتنا وللرب، فهي ليست صلوات من خلالها ننحصر في حاجياتنا وصوالحنا، بل فيما يخص احتياجات الأخرين.
طلب ثلاثة أرغفة: يبدو أنها أرغفة شعير وهو الاحتياج الحقيقي لوجبة واحدة، فهو لا يسرف في تسديد احتياجات الآخرين على حساب مال الرب، بل هو حكيم في العطاء ويعطي في حدود الامكانيات المتاحة وكلمة ثلاثة أرغفة نتعلم منها الصلاة أو الطلبة المُحددة.
وكلمة أقرضني: أي أنه لن ينفق ما سيأخذه في لذته، بل سيستثمره ويرده مع فوائد وهكذا نحن يجب أن نستثمر ما نملك من وقت ومال يعطيه الرب لنا لمجده، لا لمجد ذواتنا.
والرب عقّب على المثل وقال: “إن كان لا يقوم ويعطيه لكونه صديقه، فإنه من أجل لجاجته يقوم ويعطيه قدر ما يحتاج”، فإن كان لا يشفع لنا كوننا مفدييه أو خاصته المحبوبة، فإن لجاجتنا تكون وسيلتنا لأخذ قدر ما نحتاج وليس قد ما نرغب، فالله مسؤول عن تسديد احتياجاتنا وليس رغباتنا (في4: 19).
ثم نصحهم بالقول: اسألوا، تعطوا. اطلبوا، تجدوا. اقرعوا، يُفتح لكم”، وهذه درجات من اللجاجة أو الطلبة، يزداد فيها العمق من درجة إلى درجة أخرى: من مجرد السؤال إلى الطلب ومن مجرد الطلبة إلى القرع على باب الرب. فهذه ليست معجزات، إنما صلاح الرب وجوده الذي يشهد كم من المرات سألنا وأخذنا طلبنا ووجدنا قرعنا وفُتح لنا.
إن الله لا يخدع أولاده ولا يغشهم. فإذا كنا ونحن بشر ضعفاء لا نعطي أولادنا حجرًا عند طلبهم خبزًا ولا نعطيهم عقربًا عند طلبهم بيضة ولا نعطيهم حية عند طلبهم سمكة، هكذا الله أبونا لا يعطينا إلا العطايا الجيدة.
ويختم الرب المثل: إن الآب لا يعطي الروح القدس إلا للذين يسألونه، ربما لأن الروح القدس لم يكن جاء وقت نطق الرب لهذا المثل، لكن بالنسبة لنا نحن لا نطلب الروح القدس، لكن نطلب عمله فينا ونطلب البركة والاستخدام في حياتنا وهنا الرب يحولهم من الطلب لأجل الطعام البائد إلى الطلب لأجل الطعام الباقي. فالأمور الزمنية تعطى لهم بدون طلبة، لكن وجههم هنا، كما وجههم في موعظة الجبل إلى طلب ملكوت الله وبره أولاً، فالأمور الزمنية يعطيها لنا وهو يعلمها، لكن الأمور الروحية والاستخدام لنا يحظى بها إلا السائلون وهذا يبرر لماذا نحن فقراء روحيًا وإلهنا غني، هذا لأننا لا نطلب، فهناك أمور غالية على قلب الرب لن يعطيها إلا إذا هيئنا قلوبنا ونفوسنا من خلال الصلاة قدامه وليست أي صلاة، بل الصلاة بلجاجة.