أذكر في بداية هذه الرسالة ثلاثة آيات من الكتاب المقدس
“بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!” (عبرانيين 22:9)
“بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ” (عبرانيين 6:11)
“بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا” (يوحنا 5:15).
تختلف المسيحية الحقيقية عن كل ديانة بشرية.. فالمسيحية الحقيقية تقوم على ثلاثة أمور
الدم.. والإيمان بوجود الله.. ويسوع المسيح العظيم، وبغير هذه الثلاثة لا تقوم المسيحية الحقيقية.
الأساس الأول هو الدم
“بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!” (عبرانيين 22:9).
هذا ينفي تماماً قيمة الأعمال الصالحة في نوال الغفران، ويعلن أن دم المسيح هو الوسيلة الوحيدة لنوال الغفران.
ولماذا كان لا بدّ أن يُسفك دم المسيح، لينال المؤمن به الغفران؟
والجواب “لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ” (رومية 23:6). فأجرة الخطية ليست هي الصوم، أو الصلاة، أو العطاء للفقراء، أو الحج إلى الأماكن المقدسة.. أو القيام بالشعائر الدينية أياً كانت هذه الشعائر.
لقد قال الله كلمته “لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ”.
وسفك دم الإنسان يؤدي إلى موته.. وقد سفك يسوع دمه ومات طوعاً ليبيّن لنا محبة الله، ويفدينا من عقاب الخطية.
“وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا” (رومية 8:5).
“عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفًا سَابِقًا قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ” (1بطرس 18:1-20).
فقبل خلق الإنسان، وعصيان الإنسان، دبّر الله في الأزل فداءه بدم المسيح الكريم.
وهنا أقول أن:
في دم المسيح الكريم قوة غافرة
“الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ” (أفسس 7:1).
في دم المسيح الكريم قوة مطهرة
ما دام دم المسيح الكريم هو وسيلة الغفران، فهذا يتضمن تطهير الخاطي من الشعور بالذنب، إذ قد غفر الله خطيته ومحا ذنبه كما يقول يوحنا الرسول:
“وَلكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ. إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا. إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ” (1يوحنا 7:1-9).
وتظهر أمانة الله في تطهيرنا من كل إثم في أنه أمين في وعده، كما أنه أمين لا يفشي للناس خطايا المعترفين بها له.
في دم المسيح الكريم قوة للنصرة
في حرب المؤمن مع إبليس، وسيلته الوحيدة للنصرة هي دم المسيح الكريم، وعن هذا نقرأ: “وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ الْخَرُوفِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى الْمَوْتِ”
(رؤيا 11:12).
الأساس الثاني هو الإيمان بوجود الله
“بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ” (عبرانيين 6:11).
“اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ” (يوحنا 18:1).
“عِنْدَ اللهِ جَلاَلٌ مُرْهِبٌ. الْقَدِيرُ لاَ نُدْرِكُهُ” (أيوب 22:37-23).
الإيمان بوجود الله هو وسيلة إرضائه.
الخليقة بنظامها المتقن البديع تؤكد وجود الله
“اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ” (مزمور 1:19).
الإنسان بفرادة خَلقه يؤكد وجود الله
فالإنسان مصنوع من التراب.. وعند الموت يعود إلى التراب.. لكن هذا الهيكل الترابي، الذي هو جسد الإنسان، عجيب لدرجة أنه لا يوجد فرد يعرف كل محتوياته.. لذلك فالأطباء يتخصّص كل واحد منهم في علاج جزء من هذا الجسد.. فنحن نجد أخصائي القلب، وأخصائي الصدر، وأخصائي الكلى، وأخصائي العيون، وأخصائي الأنف والأذن والحنجرة.
وإذ ننتقل إلى الناحية النفسية في الإنسان نقف مبهورين، “اَلْقَلْبُ يَعْرِفُ مَرَارَةَ نَفْسِهِ، وَبِفَرَحِهِ لاَ يُشَارِكُهُ غَرِيبٌ” (أمثال 10:14). وفي دائرة الأمراض النفسية نجد قائمة طويلة.. الكآبة، وانفصام الشخصية، والجنون بأنواعه، وعدم الاتزان بكافة مظاهره. هذا الإنسان الذي خلقه الله.. عجيب ومدهش.. ملاك وشيطان.. عبقري وعبيط.. مخترع وفي منتهى الغباء.. جميل وقبيح.. جذّاب ومخيف.
لذلك لا غرابة في أن يقول داود في المزمور “لأَنَّكَ أَنْتَ اقْتَنَيْتَ كُلْيَتَيَّ. نَسَجْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي. أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَبًا. عَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ، وَنَفْسِي تَعْرِفُ ذلِكَ يَقِينًا” (مزمور 13:139-14).
الضمير الموجود في الإنسان يؤكد وجود الله..
الضمير هو محكمة الله في الإنسان، يقضّ مضجعه إذا ارتكب إثماً.. ويسرد خطاياه أمامه عند موته إذا لم يكن قد تطهر بدم المسيح الكريم.. هذا الضمير هو دليل قوي على وجود الله..
وأخيراً وليس آخراً، الكتاب المقدس الذي بين أيدينا يؤكد وجود الله
الكتاب المقدس بوصاياه الرفيعة العالية، وبأمانته في سرد تاريخ الأنبياء وتسجيل سقطاتهم، وبنبواته الدقيقة التي تمت وتتم وسوف تتم؛ هذا كله يؤكد أنه موحى به من الله وهذا يؤكد وجود الله..
الإيمان بوجود الله شرط أساسي لإرضائه.
لكن السؤال: أي إله؟
كل دين له إله.. لكن يسوع المسيح أعلن أنه هناك إلهاً واحداً حقيقياً، كل ما عداه ليس إلهاً.
قال يسوع المسيح مخاطباً الآب: “وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ” (يوحنا 3:17).
إله واحد حقيقي هو الإله الذي أعلن عن ذاته في كلمته… إله مطلق القدرة، مطلق الوجود، مطلق المعرفة.
إله قادر أن يدافع عن ذاته، فهو ليس في حاجة لمن يجاهدون في سبيله.. فالجهاد في سبيله يحطّ من قَدره وقدرته.
إله يستجيب الصلاة، ويسدد حاجات المؤمنين به، وهو وحده فادي عبيده. وهو كذلك صانع العجائب.
والإيمان المطلوب لإرضاء الله، هو الإيمان بأنه يجازي الذين يطلبونه.
فهناك يوم الجزاء الذي قال عنه يسوع في سفر رؤيا يوحنا:
“وَهَا أَنَا آتِي سَرِيعًا وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ” (رؤيا 12:22).
نوال الغفران والحياة الأبدية بالإيمان وحده “لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ” (أفسس9:2).
أما الجزاء فهو بالأعمال. والأعمال ليست هي الصوم والصلاة والحسنات.. بل هي الأعمال التي سبق الله فأعدّها للمؤمن ليعملها.
“لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا” (أفسس 10:2).
الأساس الثالث هو يسوع المسيح
بدون يسوع المسيح المصلوب، الذي قام من الأموات، ويحيا في قلب المؤمن لا مسيحية. وهذه كلمات يسوع: “بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا” (يوحنا 5:15).
ترتبط هذه الكلمات بما قبلها “أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا” (يوحنا 5:15).
هذا يعني ثبات المؤمن في المسيح كمصدر للحياة والتصرفات، فالمسيحية الحقيقية تعني حياة المسيح فينا.. ويقين وجوده معنا.
“مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي” (غلاطية 20:2).
يسوع المسيح ليس نبياً مات ودُفن كسائر الأنبياء وانتهت حياته بالموت، إنه مات ودُفن.. ولكنه قام.. وهو الآن جالس عن يمين العظمة في الأعالي.. لكنه بالروح القدس يحلّ في قلب كل مؤمن حقيقي.
“لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ” (أفسس 17:3).
ومن هنا يجب أن يتيقّن المؤمن أنه بدون يسوع المسيح لا يقدر أن يفعل شيئاً.. ليس في دائرة الحياة الروحية فقط بل في كل دوائر الحياة الصغيرة والكبيرة، الصعبة والسهلة، في تفكيره وكلامه.. في حياته والجسدية والنفسية.
من الأمور التي تملأ قلب المؤمن الروحي بالأسى والحزن، أن يرى كثيرين من الذي يُدعون مسيحيين يلجأون إلى ممارسة اليوجا Yoga لترتاح أعصابهم وتهدأ نفوسهم وعقولهم.. وكثيرون منهم لا يعلمون أن تدريبات اليوجا تهدف إلى الاتصال بالروح المسيطر على العالم، وهو الشيطان، وتفتح الباب لأن تسكنهم الشياطين والأرواح النجسة.
إن المصدرالوحيد لسلام القلب والعقل هو الرب يسوع المسيح الذي قال: “سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ” (يوحنا 27:14).
“قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ” (يوحنا 33:16 ).
اختبر بولس الرسول حياة المسيح فيه فكتب للقديسين في فيلبي قائلاً:
“فَإِنِّي قَدْ تَعَلَّمْتُ أَنْ أَكُونَ مُكْتَفِيًا بِمَا أَنَا فِيهِ. أَعْرِفُ أَنْ أَتَّضِعَ وَأَعْرِفُ أَيْضًا أَنْ أَسْتَفْضِلَ. فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَدْ تَدَرَّبْتُ أَنْ أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ، وَأَنْ أَسْتَفْضِلَ وَأَنْ أَنْقُصَ. أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي” (فيلبي 11:4-13).
فلنذكر في الختام أنه:
بدون سفك دم لا تحصل مغفرة..
بدون إيمان لا يمكن إرضاء الله..
بدون يسوع المسيح لا يقدر المؤمن أن يفعل شيئاً.