المولود المستحق السجود

المولود المستحق السجود

راديو مياه الراحة

”وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ“  (متى 1:2-2).

قصة ميلاد يسوع المسيح قصة فريدة، فعند ميلاده جاء ملاك من السماء وبشّر جماعة من الرعاة كانوا يحرسون رعيتهم على مروج بيت لحم بميلاده قائلاً لهم: ”فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ“ (لوقا 10:2-11).

وجاء مجوس من المشرق، يُقال أنهم حكماء من الأكراد، كانوا يهتمون بدراسة النجوم ”قَائِلِينَ: أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ“ (متى 2:2).

مولود بيت لحم ليس مجرد إنسان.. إنه ”المخلص“، المسيح الرب.. وقد جاء حكماء المشرق بعد أن رأوا نجمه ليسجدوا له.. فيسوع المسيح هو المولود المستحق السجود.

اولا: يسوع هو المولود المستحق السجود لأنه ابن الله

بنويّة يسوع لله، بنويّة فريدة، فهي ليست ثمراً لعلاقة جنسية بين الله العلي تبارك اسمه ومريم العذراء، حاشا!  تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

إنها بنويّة أزلية.. ولما جاء الملاك جبرائيل ليبشر العذراء مريم، قال لها: ”وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى…“ (لوقا 31:1-32).

ولما سألته مريم ”كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟ فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ“ (لوقا 34:1-35).

هذا المولود كان مع الآب منذ الأزل، فالله تبارك وتعالى هو ”الآب الأزلي“، والأبوة الأزلية تحتم وجود ”البنوّة الأزلية“.

ويقول بولس الرسول: ”وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ“ (غلاطية 4:4-6).

مولود بيت لحم يستحق السجود لأنه ابن الله الأزلي.

ولما هدى النجم الذي ظهر في المشرق، المجوس حكماء المشرق إلى حيث كان الصبي يسوع ”فَلَمَّا رَأَوْا النَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جِدًّا. وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ. فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ“ (متى 10:2-11).

كانت مريم أم يسوع واقفة في المشهد، ولكن حكماء المشرق لم يسجدوا لها بل ”سجدوا له“.

إنه المولود المستحق السجود.

ثانية: يسوع هو المولود المستحق السجود لأنه فدى الناس بدمه

كان القصد الإلهي من إرسال الله ابنه مولوداً من مريم العذراء هو أن يموت يسوع المسيح على الصليب ليفدي الآثمين الذين يؤمنون بموته وقيامته.

فقد أعلن يسوع المسيح عن القصد من مجيئه بالكلمات:

”ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ“ (متى 28:2).

وقبل ولادته بمئات السنين تنبأ إشعياء النبي عن القصد من مجيئه وصلبه قائلاً: ”وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ (الآب) وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا“ (إشعياء 5:53-6).

يسوع المسيح ابن الله، مولود بيت لحم، جُرح بمسامير الصلب، وسُحق تحت وطأة حمله خطايا البشرية؛ وما أبشعها من خطايا وجرائم يقشعرّ لها البدن!!! القتل الجماعي.. والفردي.. الخيانات الزوجية.. بيع البنات البريئات في سوق الجنس، السرقات، والضلالات.. الزنى.. والشذوذ الجنسي.. والقائمة السوداء طويلة.

كل هذه الآثام حملها يسوع على الصليب، ليعلن عدل الله ورحمة الله ومحبة الله..

·  أعلن عدل الله الذي أخذ حقه في موت المسيح على الصليب، فأجرة الخطية هي موت، وقد مات يسوع البار وسدّد هذه الأجرة.

·  أعلن رحمة الله التي تغطي خطايا الآثمين الذين يؤمنون بيسوع المصلوب وتعطيهم حياة أبدية.

·  أعلن محبة الله التي ظهرت بجلاء في بذل الله الآب لابنه الوحيد يسوع المسيح وتسليمه للعار والصلب، وقد كان قادراً أن يسحق الذين قبضوا على ابنه الحبيب وأن يجعلهم كالعصافة التي تذرّيها الريح.

إن المولود المستحق السجود هو يسوع المسيح، وهو يستحق السجود لأنه مات على الصليب، وسكان السماء يهتفون له: ”قَائِلِينَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: مُسْتَحِقٌّ هُوَ الْخَروُفُ الْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ وَالْبَرَكَةَ!“ (رؤيا 12:5).

ثالثا: يسوع هو المولود المستحق السجود لأنه الشفيع الوحيد  في الذين يتقدّمون به إلى الله

نقرأ عن المسيح في الرسالة إلى العبرانيين:

”فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ“ (عبرانيين 25:7).

جاء في قاموس البستاني ”الشفاعة هي السؤال في التجاوز عن الخطأ من الذي وقعت الجريمة في حقه“. وجاء في قاموس المنجد: ”الشفاعة هي طلب العون للمخطئ حتى لا يعود إلى خطئه“.

ويقول يوحنا الرسول

”يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ“ (1يوحنا 1:2).

يسوع المسيح البار بطبيعته، يشفع في المؤمنين الذين يتقدّمون به إلى الآب، طالباً لهم الغفران والعون

ولا يوجد في السماء من يشفع في المؤمنين إلا يسوع المسيح، وذلك لأنه ”حيٌّ في كل حين ليشفع فيهم“ ولأنه مات وبموته كفّر عن خطاياهم.

وليس في قدرة قديس أو قديسة من الذين ماتوا أن يشفع في المؤمنين. هذا حقّ أعلنه بولس الرسول بكلماته للقديسين في فيلبي

”لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا. وَلكِنْ أَنْ أَبْقَى فِي الْجَسَدِ أَلْزَمُ مِنْ أَجْلِكُمْ“ (فيلبي 23:1-24).

تقول كلمات بولس الرسول بوضوح كامل أنه بانطلاقه من هذا العالم سيكون مع المسيح… وبهذا تنتهي خدمته على الأرض.. ولذا فإن بقاءه في الجسد ألزم من أجل خدمته للقديسين، ويستطرد قائلاً:

”فَإِذْ أَنَا وَاثِقٌ بِهذَا أَعْلَمُ أَنِّي أَمْكُثُ وَأَبْقَى مَعَ جَمِيعِكُمْ لأَجْلِ تَقَدُّمِكُمْ وَفَرَحِكُمْ فِي الإِيمَانِ، لِكَيْ يَزْدَادَ افْتِخَارُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ فِيَّ، بِوَاسِطَةِ حُضُورِي أَيْضًا عِنْدَكُمْ“(فيلبي 25:1-26).

كلمات بولس الرسول تقول إن انطلاق المؤمن ليكون مع المسيح هو نهاية خدمته للمؤمنين الذين على الأرض. فطلب الشفاعة من القديسين الذين ماتوا هو يقيناً ضدّ كلمة الله.. لأنه يفترض وجود هؤلاء القديسين بعد موتهم في كل مكان، وسماعهم لصلاة من يطلب شفاعتهم ومعونتهم في أي بقعة من العالم.. وهذا يجعل القديس الذي مات مطلق الوجود.. وهذه صفة يتفرّد بها الله تبارك اسمه، فهو وحده:

”المطلق الوجود“ أي الموجود في كل مكان.

”المطلق المعرفة“ أي العارف بكل شيء.

”المطلق القدرة“ أي القادر على كل شيء.

ويسوع وحده يتميّز بهذه الصفات، لذلك قال لتلاميذه: ”وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ“ (متى 20:28).

لقد حذّر الرب شعبه من الاتصال بأرواح الموتى إذ قال لهم:

”مَتَى دَخَلْتَ الأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، لاَ تَتَعَلَّمْ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلَ رِجْسِ أُولئِكَ الأُمَمِ. لاَ يُوجَدْ فِيكَ… مَنْ يَسْتَشِيرُ الْمَوْتَى. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الرَّبِّ“ (تثنية 9:18-11)

إن شفيعنا الوحيد عند الآب هو يسوع المسيح ولذلك فهو المولود المستحق السجود.

رابعا: يسوع هو المولود المستحق السجود لأنه انتصر على الموت ومنح المؤمنين به يقين القيامة

كل نبي عاش على الأرض له بداية حياة ونهاية حياة.. تبدأ حياته حين يولد، وتنتهي حين يموت. أما يسوع المسيح، فبعد أن صار في شبه الناس، ووضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب، قام من الأموات منتصراً على الموت.

وقيامة يسوع المسيح، تعطي المؤمنين به رجاء حياً بقيامتهم، وهذا الحق كتبه بطرس الرسول بالكلمات:

”مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ، لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ، أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ“ (1بطرس 3:1-5).

إن قيامة يسوع المسيح أكدت للمؤمنين به أنهم سيقومون، وقيامتهم هي الخلاص الذي سيُعلَن في الزمان الأخير.

فخلاص المؤمن يشمل الماضي والحاضر والمستقبل.

فالخلاص جاء بصيغة الماضي في الكلمات: ”بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خلَّصَنَا“ (تيطس 5:3).

وجاء بصيغة الحاضر ”لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ!“ (رومية 10:5). وهذا يعني عمل المسيح المستمر في حياة المؤمن..

وجاء في صيغة المستقبل في كلمات بطرس الرسول: ”أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ“ (1بطرس 5:3).

هذا الخلاص، هو الخلاص من الجسد الترابي، المعرّض للمرض، والألم، والموت.. ونوال الجسد السماوي كالجسد الذي قام به يسوع المسيح.

وقد شرح بولس الرسول كيفية قيامة المؤمنين بالكلمات:

”هكَذَا أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ. يُزْرَعُ فِي ضَعْفٍ وَيُقَامُ فِي قُوَّةٍ. يُزْرَعُ جِسْمًا حَيَوَانِيًّا وَيُقَامُ جِسْمًا رُوحَانِيًّا… الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ. كَمَا هُوَ التُّرَابِيُّ هكَذَا التُّرَابِيُّونَ أَيْضًا، وَكَمَا هُوَ السَّمَاوِيُّ هكَذَا السَّمَاوِيُّونَ أَيْضًا. وَكَمَا لَبِسْنَا صُورَةَ التُّرَابِيِّ، سَنَلْبَسُ أَيْضًا صُورَةَ السَّمَاوِيِّ“ (1كورنثوس 42:15-49).

يسوع المسيح، مولود بيت لحم، قام منتصراً على الموت.. ومنح المؤمنين به يقين القيامة، ولذا فهو المستحق السجود.

فلنذكر أن يسوع هو المولود المستحق السجود لأنه ابن الله..

وهو المولود المستحق السجود لأنه فدى الناس بدمه.

وهو المولود المستحق السجود لأنه الشفيع الوحيد الذي يشفع في الذين يتقدّمون به إلى الله.

وهو المولود المستحق السجود لأنه انتصر على الموت ومنح المؤمنين به يقين القيامة.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *