لم يكن من المعقول أو المتوقع من سجان فيلبي، وهو الضابط الشرس والقاسي القلب، أن يبحث أو يسأل عن طريق الخلاص. ولكن نعمة الله في عظمتها وسعتها تعاملت معه بطريقة عجيبة فجذبته وحفزته لكي يسأل هذا السؤال المصيري: “ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص”؟ وقصة ذلك موجودة في سفر أعمال الرسل 16:16-40.
فحين يقف الإنسان مجرداً من كل رجاء أمام مصيره المجهول لا بد له من أن ينهمك بقوة في البحث عن هذا المصير. ولكن من أين لهذا الرجل بمعرفة ذلك التوجّه وهو روماني كان يعبد الأصنام أو ربما لم يكن يؤمن بشيء ما. ولكنّ زلزلة هزّت أساسات السجن الذي كان مسؤولاً عنه، وفتحت الأبواب، وحلّت قيود الأسرى “فاستلّ سيفه وكان مزمعاً أن يقتل نفسه ظناً أن المساجين قد هربوا” (ع 27). إلا أن زلزلة أخرى أعظم من تلك هزّت أعماقه حينما سمع صوتاً صارخاً من الداخل: “لا تفعل بنفسك شيئاً ردياً لأن جميعنا ههنا”.
فهو قد عرف جهة الصوت وتحقّق أن صاحب هذا الصوت هو ذلك السجين الذي أمر بضربه بقسوة ووحشية فأدماه وأوهنه مع زميله الآخر، ثم ضبط أرجلهما بالمقطرة وأودعهما السجن الداخلي! إذ أن الساعات التي كان يراقب فيها تصرفات هذين السجينين ويسمع ما يتفوّهان به ملأت عقله بالحيرة وقلبه بالغليان. فرغم العظام المهشّمة، والعضلات المرضّضة، والدماء النازفة، والكدمات المتورمة، ورغم قساوة السلاسل الحديدية، وظلمة الزنزانة، ورطوبتها القاتلة، ورائحتها الكريهة، ورغم التهمة الرهيبة، والعقوبة المنتظرة، والمصير القاتم، وصعوبة المخرج، نقرأ: “ونحو منتصف الليل كان بولس وسيلا يصليان ويسبحان الله والمسجونون يسمعونهما” (ع 25).
لقد رأى ذلك السجان في هذين الرجلين أموراً غير مألوفة، ومظاهر منقطعة النظير خلبت لبّه وأسرته بشدة حتى فتح قلبه لصوت النعمة المخلّصة، فماذا كانت تلك الأمور:
اولا: سلام المسيحية
لقد كانت نفسا بولس وسيلا في أشدّ الاطمئنان. وكان قلباهما فائضين بسلام عجيب. ولا شك أن ذلك السلام كان واضحاً من عبارات صلواتهما، ومن كلمات الترانيم المعزية التي سبحا الله بها. لقد ارتفعا بقوة خارقة فوق الظروف والآلام، وتلك هي قوة رب السلام يسوع الذي قال: “سلاماً أترك لكم. سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا” (يوحنا 27:14). ألعلّ كل ديانات الأرض وفلسفات العالم كانت تقدر أن تمنح مثل هذا السلام لمن كان في مثل ذلك الوضع الرهيب؟!
ثانيا: ثقة الإيمان المسيحي
وما أعظمها من ثقة تلك التي جعلت بولس وسيلا يتمتعان بذلك الرجاء بكل اطمئنان، إذ ملك في قلبيهما إيمان جبار بقوة وصدق ذلك الذي قال: “في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم” (يوحنا 33:16).
ثالثا: فرح المسيحية
يفرح الناس جميعاً في أوقات الفرج والأحوال الميسرة والمناسبات السارة، ولكن أن نسمع سجيناً مقيَّداً في أسوأ الأوضاع، متألماً بأشدّ الآلام النفسية والجسدية، يسبّح الله بفرح القلب، فذلك أمر مثير للدهشة حقاً. لقد اعتاد السجان أن يسمع من أمثال هذين السجينين الكثير من الآهات، والتوجُّعات، والأنين، وربما النحيب، ورثاء النفس في أحسن الأحوال… ولكن بولس وسيلا كانا يسبِّحان بفرح.
رابعا: محبة المسيحية
كان المتوقع من أي إنسان آخر لم يمتلِءْ قلبه بمحبة المسيح أن يفرح حينما حدثت الزلزلة، وأن يتشفى بذلك السجان الوثني الظالم فيقول حينما رآه مستلاً سيفه لينتحر: “ولتذهب إلى الجحيم”! بل يتمنى لو تمكن منه لأخذ السيف وقطّعه إرباً، أو أن يقول في قلبه إن الله ينتقم لي الآن فدعه يقتل نفسه جزاء لما فعَلتْ يداه. وفي أحسن الأحوال أن يصرف الأمر عن ذهنه بحجة أن الله يرتب للناس ما يشاء بحسب عدالة السماء. ولكن محبة المسيح التي سكنت بغنى في قلبَي بولس ورفيقه جعلتهما يصرخان بأعلى صوتهما لينقذا ذلك السجان من المصير المحتوم عالمين أنه إن مات سيذهب إلى الجحيم، ولكنهما رغبا من كل قلبهما أن يوجها هذه النفس البشرية الثمينة في نظر الله إلى طريق الخلاص.
تلك الفضائل المسيحية وغيرها هي أشكال من ثمر الروح القدس في حياة المؤمن بالمسيح الذي علمنا أن نحب أعداءنا، ونبارك لاعنينا، ونحسن لمبغضينا، ونصلي لأجل الذي يسيئون إلينا…
وتلك المحبة الآسرة، لا قوة السيف، أو سطوة الانتقام، جعلت ذلك السجان يخرّ بارتعاد أمام بولس وسيلا ويطلق هذه المسألة المصيرية التي تبدو دائماً كأنها أحجية الأزمان… “ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص”؟
أولاً: فمن أين لهذا الشخص الوثني بمعرفة معنى الخلاص، أي تسليم الحياة للرب لكي ينجو من الدينونة الرهيبة والأبدية المظلمة؟
لا شك أن الرسالة كانت قد وصلته بكل وضوح، ولو بشكل غير مباشر حينما كان يتنصّت ويستمع إلى حديث وصلوات وترانيم السجينين.
ثانياً: لو طرحت تلك الأحجية في أماكن وأزمنة مختلفة على العديد من الناس فماذا نتوقع أن تكون الأجوبة والحلول؟
وقد يجيب البعض عن هذه المسألة “ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟” بقوله: حارب أعداء معتقدك أو فجّر نفسك بحزام ناسف، واقتل من كان من غير ملتك، فتموت شهيداً وتدخل الجنة!
وقد يقول البعض الآخر: اتبع عقيدة أو ديانة ما، واتخذ ما شئت من الآلهة، وتعبّد لها، ومارس تقاليدها، فترضى عنك الآلهة وتدخل الجنة!
وهناك من قد يردّد: اعمل أعمالاً حسنة، وتصدّق على الفقراء، وساعد المحتاجين، فتُكثر من الحسنات التي تمحو السيئات، وهكذا تزيد حسناتك على سيئاتك وتدخل الجنة جزاء لذلك!
ولك عزيزي القارئ أن تتخيّل الكثير من الأجوبة الأخرى تقال في هذه المسألة بناء على قناعات الكثيرين من الناس في كل زمان ومكان، وذلك قياساً على التقاليد والممارسات والعقائد والإيديولوجيات التي نراها ونسمع أو نقرأ عنها.
ولكن الجواب الوحيد الحق والأكيد هو الذي ورد على لسان ذلك الرسول الملهم بالروح القدس: “آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك” (أعمال 31:16). وذلك يعني:
لا حاجة لك أن تفعل شيئاً بادئ ذي بدء، بل الحاجة الأولى والأساسية هي أن تؤمن بكفارة دم المسيح الذي صُلب لكي يحمل آثامك وخطاياك، لأن جميع أعمال برّنا هي كخرق بالية في نظر الله.
إن الإيمان الحقيقي هو القوة الفاعلة التي تغيّر جميع مسالك الحياة، وأفكار القلب ونياته، فتصبح مسالك مقبولة في نظر الله باستحقاق موت المسيح الفادي.
حينما يملأ الإيمان الحقيقي القلب يتقدس كل شيء في الحياة: الفكر، والقلب، والضمير، والسلوك، ويصبح الإنسان طائعاً للفكر الإلهي، وعاملاً الأعمال حباً بذاك الذي أحبه فضلاً، وليس طمعاً في ثواب، ولا خوفاً من عقاب.
فلله الذي رتب في المشورات الأزلية أمر خلاص وفداء البشرية بموت المسيح كل المجد والكرامة إلى الأبد، آمين.
نشكر الرب يسوع لاجل خلاصه وغفرانه لنا
ربنا يباركم اخوتي
امين يا رب
كلام رائع ربنا يباركم
سلام الرب يسوع معكم
يا رب اريد ان اسمع صوتك واعيش مشيئتك الصالحة في حياتى
يا رب رجائنا فيك ثابت لانك احببتنا وخلصتنا الى الابد
ربنا يبارك خدمتكم اخوتي
كلام رائع ربنا يزدكم بركات وينجح خدمتكم