كان في قرية صغيرة يعيش فيها رجل تقي كريم، عنده أغنام وحمير كثيرة، وأولاد وكان من بين أولاده الابن الصغير، وكان مدللاً وأبوه يحبه حبـًا شديدًا. كان هذا الولد يحب الحيوانات التي عند أبيه وتعلق بخروف وحمار وصاروا أصدقاء؛ كل يوم يذهب إلى الحظيرة ويقضي معهما أوقاتًا طويلة، بل كان يخرج الثلاثة ليقضون أوقاتًا في الفسحة بعيدًا عن البيت، فيذهبون إلى المراعي التي تبعد قليلاً عن القرية ويتمتعون بالمياه الجارية من الجداول الصغيرة، يلهون ويمرحون ويعودون في آخر النهار سعداء. وذات يوم، فكَّر الثلاثة الأصدقاء أن يذهبوا إلى الغابات البعيدة عن القرية ليقضوا أوقاتًا ممتعة هناك بعيدًا عن الأنظار والأبصار. وهَمَّ ثلاثتهم بالذهاب إلى الغابات، وهناك انبهروا بمنظر الغابات الكثيفة والعصافير المغرّدة والأنهار الجارية. ومع انبهار كل منهم بمنظر يختلف عما انبهر به الآخر، تاهوا جميعـًــا عن بعضهم البعض، وضلوا الطريق، ومال كل منهم إلى طريقه. وهناك علا زئير الأسود مختلطـًا مع عواء الذئاب الكامنة وسط الأشجار الكثيفة، فإذا حاول كل منهم الهرب إلى مكان هادئ أرعبه فحيح الحيات الماكرة وسط الأعشاب والأغصان الجافة الملقاة على الأرض.
ولكن الرجل الكريم ذهب ليفتش في كل مكان لكي يرجعهم إلى بيته. وبعد عناء كثير، نجح الرجل في إنقاذهم من المخاطر وإرجاعهم إلى البيت، وهناك عمل وليمة عظيمة لرجوع الثلاثة بعد أن ضلوا الطريق.
وهذه القصة عزيزي القارئ تلخص حياة الإنسان كما هي مدونة في الكتاب المقدس، فنقرأ في كلمة الله المباركة عن: حمار ضال وخروف ضال وابن ضال. فهيا بنا لنتأمل معـًا هذا القصة الشيقة والتي تمثل قصة حياة الإنسان.
أولاً الحمار الضال
قصته نقرأ عنها في سفر صموئيل الأول ٩ «فَضَلَّتْ أُتُنُ قَيْسُ أَبِي شَاوُلَ. فَقَالَ قَيْسُ لِشَاوُلَ ابْنِهِ: خُذْ مَعَكَ وَاحِدًا مِنَ الْغِلْمَانِ وَقُمِ اذْهَبْ فَتِّشْ عَلَى الأُتُنِ. فَعَبَرَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، ثُمَّ عَبَرَ فِي أَرْضِ شَلِيشَةَ فَلَمْ يَجِدْهَا. ثُمَّ عَبَرَا فِي أَرْضِ شَعَلِيمَ فَلَمْ تُوجَدْ. ثُمَّ عَبَرَا فِي أَرْضِ بَنْيَامِينَ فَلَمْ يَجِدَاهَ، فَأَجَابَ صَمُوئِيلُ شَاوُلَ وَقَالَ: أَنَا الرَّائِي. اِصْعَدَا أَمَامِي إِلَى الْمُرْتَفَعَةِ فَتَأْكُلاَ مَعِيَ الْيَوْمَ، ثُمَّ أُطْلِقَكَ صَبَاحًا وَأُخْبِرَكَ بِكُلِّ مَا فِي قَلْبِكَ. وَأَمَّا الأُتُنُ الضَّالَّةُ لَكَ مُنْذُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَلاَ تَضَعْ قَلْبَكَ عَلَيْهَا لأَنَّهَا قَدْ وُجِدَتْ».
والحمار كان في تلك الأيام يستخدم كوسيلة من وسائل السفر الرئيسية مع الجمال والخيل والبغال. وأيضـًا الحمار بحسب الشريعة الموسوية هو حيوان نجس. ومن هذه القصة نرى صورة لأمر هام وملحوظ جدًا في أيامنا، وهو السفر والهجرة بطرق غير مشروعة؛ فها نحن نرى الشباب مولع بالسفر والهجرة إلى البلاد الغربية، حيث هناك – كما يظن – الحياة الكريمة ورغدة العيش والحرية الكاملة وكرامة وحقوق الإنسان. ولكن لكي يصل إلى هذا ويحقّق أحلامه يسلك طرقـًا غير مشروعة؛ على سبيل المثال لكي يحصل على إقامة أو جنسية البلد التي يهاجر إليها فيتزوج بامرأة من نفس البلد زواجـًا على الورق، أو يطلب اللجوء السياسي أو الديني ويقدم أوراقــــًـا مزيفة مزورة، ومبدأه في هذا أن الغاية تبرر الوسيلة. هذه صورة من صور الضلال والخطأ الذي يقع فيه البعض.
ثانيـًا الخروف الضال
وهذه القصة نجدها مدونة في إنجيل لوقا١٥ «فَكَلَّمَهُمْ بِهذَا الْمَثَلِ قِائِلاً: أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ لَهُ مِئَةُ خَرُوفٍ، وَأَضَاعَ وَاحِدًا مِنْهَا، أَلاَ يَتْرُكُ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَيَذْهَبَ لأَجْلِ الضَّالِّ حَتَّى يَجِدَهُ؟ وَإِذَا وَجَدَهُ يَضَعُهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَرِحًا، وَيَأْتِي إِلَى بَيْتِهِ وَيَدْعُو الأَصْدِقَاءَ وَالْجِيرَانَ قَائِلاً لَهُمُ: افْرَحُوا مَعِي، لأَنِّي وَجَدْتُ خَرُوفِي الضَّالَّ!»
وفي هذه القصة الخروف ضل عن الراعي والمراعي، وذهب بعيدًا ليبحث عن مراعٍ أخرى ولكنها ضارة. وفي قصة الخروف الذي ترك الراعي والمراعي، نرى صورة للإنسان الذي يحاول أن يبحث عن الشبع والارتواء من مصادر أخرى بعيدة عن الله؛ هذه المصادر مثل جمع المال والمكسب بطرق ملتوية غير مشروعة كالتجارة في الممنوعات أو الطمع في الميراث أو ممتلكات الغير، أو الوصول لمكاسب أو مناصب بطرق النفاق والرياء أو المكر والدهاء، أو حتى الوصول إلى غاية على حساب تدمير الآخرين إلى أشلاء. ولكن هذا كله عين الضلال.
ثالثــًا الابن الضال
والمدونة قصته أيضـًا في إنجيل لوقا ١٥ «وَقَالَ: إِنْسَانٌ كَانَ لَهُ ابْنَانِ. فَقَالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيهِ: يَا أَبِي أَعْطِنِي الْقِسْمَ الَّذِي يُصِيبُنِي مِنَ الْمَالِ… وَبَعْدَ أَيَّامٍ… جَمَعَ الابْنُ… كُلَّ شَيْءٍ وَسَافَرَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهُنَاكَ بَذَّرَ مَالَهُ… فَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيْءٍ، حَدَثَ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ، فَابْتَدَأَ يَحْتَاجُ… فَقَامَ وَجَاءَ إِلَى أَبِيهِ… فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ. فَقَالَ الأَبُ لِعَبِيدِهِ: أَخْرِجُوا الْحُلَّةَ الأُولَى وَأَلْبِسُوهُ، وَاجْعَلُوا خَاتَمًا فِي يَدِهِ، وَحِذَاءً فِي رِجْلَيْهِ، وَقَدِّمُوا الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ وَاذْبَحُوهُ فَنَأْكُلَ وَنَفْرَحَ، لأَنَّ ابْنِي هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ. فَابْتَدَأُوا يَفْرَحُونَ».
في هذه القصة أيضـًا نرى صورة للإنسان الذي ترك حضن أبيه وحبه، وذهب ليبحث عن الحب من مصادر أخرى. وكم من قصص عن شباب وشابات تركوا الحضن الدافئ للأسرة وذهبوا وراء شهواتهم ونزواتهم ليرتموا في أحضان الشر والرذيلة لعلهم يشبعون ظانين أن هذا هو الحب الحقيقي، تاركين قلب الله المحب الذي يبحث عنهم.
ولكن في كل القصص الثلاث نرى شيئـًا هامـًا ومشجعـًا، وهو رجوع هؤلاء بعد رحلة الضلال.
عزيزي القارئ إذا كنت ضللت الطريق، سواء بسفر غير صحيح أو بكسب مادي أو معنوي غير صحيح أو تورطت في علاقة غير صحيحة، وتعاني الآن من نتائج مريرة تنغص عليك حياتك؛ إني أسوق إليك أعظم خبر سار وهو أن الله يدعوك للرجوع؛ فهو ينتظرك بفارغ الصبر لكي ترجع إليه فيقبلك فرحـًا.
فتعال إليه لا تؤجل.