الاخ صفوت تادرس
ستظل أم يسوع هي الأم المثالية لكل الأجيال ولكل الأجناس، حيث ضربت أروع الأمثلة في الحب والوفاء، الثبات والعطاء، لابنها الغالي يسوع، بالرغم من تخاذل محبيه وتلاميذه، وأصرت أن تكون قريبة منه في أحلك وأشد اللحظات. لقد تألمت ألامات متنوعة كثيرة:
فهي تألمت حين خان يهوذا، وأنكر بطرس، وهرب التلاميذ.
وتألمت حينما قبضوا عليه في البستان وأوثقوه ومضوا به إلى ست محاكمات: ثلاث محاكمات دينية ليلاً (أمام حنان، ثم قيافا، ثم مجمع السنهدريم)، وثلاث أخرى مدنية نهارًا (أمام بيلاطس، ثم هيرودس، ثم بيلاطس ثانية).
تألمت من الاتهامات الباطلة التي قُدِّمت ضده، مثل أنه: يُفسد الأمة، يمنع أن تُعطى الجزية لقيصر، يُهيج الشعب (لوقا٢٣: ٢، ٥)، فاعل شر (يوحنا١٨: ٣٠).
تألمت من الجحود ومن نكران الجميل، فالمسيح صنع للشعب آلاف المعجزات، لكن عندما أجرى بيلاطس استفتاءً: «مَنْ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟ بَارَابَاسَ أَمْ يَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟ فَقَالُوا: “بَارَابَاسَ!”. قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: “فَمَاذَا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟” قَالَ لَهُ الْجَمِيعُ: “لِيُصْلَبْ!”» (متى٢٧: ١٧–٢٢). فيا للغرابة! القاتل واللص يُطلق حرًا، والقدوس البار يُصلب، لم تكن هناك رقة بل قسوة، لم يكن هناك معزين بل مستهزئين.
تألمت عندما أمر بيلاطس بصلبه، فالصليب يُعتبر من أقسى الأساليب في معاقبة المجرمين.
تألمت عندما جمعوا عليه كل الكتيبة، وتبادلوا عليه الضرب، ونتف الوجه، واللكم والبصق.
تألمت أثناء جلده بجلدات قاسية مزقت ظهره العاري، حتى صار مثل التربة التي حُرثت بالمحراث (مز١٢٩: ٣).
تألمت وهي تراه يحمل الصليب في طريقهُ إلى الجلجثة، والشوك على رأسه.
تألمت حين رأتهم يدقون المسامير في يديه ورجليه، وتتمزق شرايينه وتنزف بغزارة.
تألمت وهي تراه معلقًا بين اثنين من المذنبين.
تألمت وهي تسمع تعييرات المعيرين، »والْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ قَائِلِينَ: “يَا نَاقِضَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، خَلِّصْ نَفْسَكَ! إِنْ كُنْتَ ابْنَ الله”» (متى٢٧: ٣٩–٤٣).
تألمت عندما رأته يموت مُعلقًا على خشبة، و«الْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ» (تثنية٢١: ٢٢).
تألمت وهي ترى الآمال وقد تحطمت، فالذي قيل عنه: «هذَا يَكُونُ عَظِيمًا. وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ» (لوقا١: ٣٢)، يموت.
أم من طراز خاص
هنا نرى أمًا مثالية، يجوز في نفسها سيف فابنها الغالي يموت أمام عينيها، متروكًا، معلقًا، عاريًا، متألمًا، مهانًا. عطشانًا، الشوك على رأسه، والمسامير في يديه ورجليه، والدم ينزف من كل جسمه. تنظر إليه منسحقة، وهو ينظر إليها مشفقًا، هي واقفة، وهو مُعلقًا. هي صامتة، لكنه هو الذي تكلم، ومهتما قائلاً لها: «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ». كانت واقفة بشجاعة وثبات، بالرغم من ضعفها كامرأة (١بطرس٣: ٧). لا نقرأ أنها كانت تتكلم أو تنطق ببنت شفة، أو تبكي، أو تصرخ، أو تلطم، أو تسقط على الأرض بالرغم من قلبها الدامي والمجروح. بالتأكيد أخذت معونة إلهية خاصة، من أبو الرأفة وإله كل تعزية. فيا لها من أم مثالية فاضلة من حقها أن تقول: «لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي» (لوقا١: ٤٨).
ليتنا نتضع أمام الرب فيرفعنا، بل ليتنا نُقبل ونؤمن بالمسيح الذي: «وهو مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ» (إشعياء٥٣).
وليتنا لا نعجب ونطوب مريم أم يسوع فقط بل نتعلم ونتفكر.. نعي ونتدبر.. وأخيرًا نقدم لكل أخت وكل زوجة وكل أم الحب والإكرام، والتقدير والاحترام.